اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَا تُبۡقِي وَلَا تَذَرُ} (28)

{ لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } أي : لا تترك لهم لحماً ، ولا عظماً ، ولا دماً إلا أحرقته .

قوله : { لاَ تُبْقِي } ، فيها وجهان :

أحدهما : أنها في محل نصب على الحال ، والعامل فيها معنى التعظيم ، قاله أبو البقاء .

يعني أن الاستفهام في قوله : «مَا سَقَرُ » للتعظيم ، والمعنى : استعظموا سقر في هذه الحال .

ومفعول " تُبْقِي ، وتَذرُ " محذوف أي لا تبقي ما ألقي فيها ، ولا تذره ، بل تهلكه .

وقيل : تقديره لا تُبْقِي على من ألقي فيها ، ولا تذر غاية العذاب إلا وصلته إليه .

والثاني : أنها مستأنفة .

قال ابن الخطيب{[58526]} : واختلفوا في قوله : " لا تبقي ولا تذر " .

فقيل : هما لفظان مترادفان بمعنى واحد ، كرر للتأكيد والمبالغة ، كقولك صدَّ عني وأعرض عني ، بل بينهما فرق ، وفيه وجوه :

الأول : لا تبقي من اللحم ، والعظم ، والدم شيئاً ، ثم يعادون خالقاً جديداً ، " ولا تَذرُ " أن تعاود إحراقهم بأشد مما كانت ، وهكذا أبداً ، رواه عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما{[58527]} .

وقال مجاهد : لا تبقي فيها حياً ولا تذره ميتاً بل تحرقهم كلما جُدِّدوا{[58528]} . وقال السديّ : لا تبقي لهم لحماً ولا تذر لهم عظماً{[58529]} . وقيل : لا تبقي من المعذبين ، ولا تذر من فوقها شيئاً ، إلا تستعمل تلك القوة في تعذيبهم .


[58526]:ينظر: الفخر الرازي 30/178.
[58527]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/455) وعزاه إلى ابن المنذر.
[58528]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/311) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/455) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
[58529]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (19/51) عن السدي.