قوله : { لِمَن شَاءَ } ، فيه وجهان :
أحدهما : أنه بدل من البشر بإعادة العامل كقوله : { لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ } [ الزخرف : 33 ] ، و { لِلَّذِينَ استضعفوا لِمَنْ آمَنَ } [ الأعراف : 75 ] ، وأن يتقدم مفعول «شاء » أي : نذيراً لمن شاء التقدم أو التأخر ، وفيه ذكر مفعول «شاء » وقد تقدم أنه لا يذكر إلا إذا كان فيه غرابة .
الثاني : وبه بدأ الزمخشري : أن يكون «لمن شاء » خبراً مقدماً ، و «أن يتقدم » مبتدأ مؤخر .
قال : كقولك : لمن توضّأ أن يصلي ، ومعناه : مطلق لمن شاء التقدم أو التأخر أن يتقدم ، أو يتأخر انتهى .
فقوله : «التقدم أو التأخر » وهو مفعول «شاء » المقدر .
قال أبو حيَّان رحمه الله : قوله : «أن يتقدم » هو المبتدأ معنى لا يتبادر إلى الذهن ، وفيه حذف .
قال القرطبي{[58570]} : اللام في «لمن شاء » متعلقة ب «النذير » ، أي : نذيراً لمن شاء منكم أن يتقدم إلى الخير والطاعة أو يتأخر إلى الشر والمعصية ، نظيره : { ولقد علمنا المستقدمين منكم } ، أي : في الخير { وَلَقَدْ علمنا المستأخرين } [ الحجر : 24 ] عنه ، قال الحسن : هذا وعيد وتهديد وإن خرج مخرج الخبر ، كقوله تعالى : { فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ }{[58571]}[ الكهف : 27 ] .
وقيل : المعنى لمن شاء الله أن يتقدم أو يتأخر ، فالمشيئة متصلة بالله - عز وجل - والتقديم بالإيمان والتأخير بالكفر .
وكان ابن عباس يقول : هذا تهديد وإعلام أنَّ من تقدم إلى الطاعة والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً جوزي بثوابٍ لا ينقطع ، ومن تأخر عن الطاعة ، وكذب محمداً صلى الله عليه وسلم عوقب عقاباً لا ينقطع{[58572]} .
وقال السديُّ : «لمن شاء منكم أن يتقدم إلى النار المتقدم ذكرها ، أو يتأخر عنها إلى الجنة »{[58573]} .
فصل فيمن استدل بالآية على كون العبد متمكناً من الفعل
احتج المعتزلة بهذه الآية على كون العبد متمكناً من الفعل غير مجبور عليه .
وجوابه : أنَّ هذه الآية دلَّت على أن فعل العبد معلق على مشيئته ، لكن مشيئة العبد معلقة على مشيئة الله - تعالى جل ذكره - كقوله تعالى : { وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله } [ الإنسان : 30 ] .
قال ابن الخطيب{[58574]} : وذكر الأصحاب جوابين آخرين :
الأول : معنى إضافة المشيئة إلى المخاطبين ، التهديد ، كقوله عز وجل : { فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } .
الثاني : أنَّ هذه المشيئة لله - تبارك وتعالى - على معنى : لمن شاء الله منكم أن يتقدم ، أو يتأخر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.