اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَتَقَدَّمَ أَوۡ يَتَأَخَّرَ} (37)

قوله : { لِمَن شَاءَ } ، فيه وجهان :

أحدهما : أنه بدل من البشر بإعادة العامل كقوله : { لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ } [ الزخرف : 33 ] ، و { لِلَّذِينَ استضعفوا لِمَنْ آمَنَ } [ الأعراف : 75 ] ، وأن يتقدم مفعول «شاء » أي : نذيراً لمن شاء التقدم أو التأخر ، وفيه ذكر مفعول «شاء » وقد تقدم أنه لا يذكر إلا إذا كان فيه غرابة .

الثاني : وبه بدأ الزمخشري : أن يكون «لمن شاء » خبراً مقدماً ، و «أن يتقدم » مبتدأ مؤخر .

قال : كقولك : لمن توضّأ أن يصلي ، ومعناه : مطلق لمن شاء التقدم أو التأخر أن يتقدم ، أو يتأخر انتهى .

فقوله : «التقدم أو التأخر » وهو مفعول «شاء » المقدر .

قال أبو حيَّان رحمه الله : قوله : «أن يتقدم » هو المبتدأ معنى لا يتبادر إلى الذهن ، وفيه حذف .

قال القرطبي{[58570]} : اللام في «لمن شاء » متعلقة ب «النذير » ، أي : نذيراً لمن شاء منكم أن يتقدم إلى الخير والطاعة أو يتأخر إلى الشر والمعصية ، نظيره : { ولقد علمنا المستقدمين منكم } ، أي : في الخير { وَلَقَدْ علمنا المستأخرين } [ الحجر : 24 ] عنه ، قال الحسن : هذا وعيد وتهديد وإن خرج مخرج الخبر ، كقوله تعالى : { فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ }{[58571]}[ الكهف : 27 ] .

وقيل : المعنى لمن شاء الله أن يتقدم أو يتأخر ، فالمشيئة متصلة بالله - عز وجل - والتقديم بالإيمان والتأخير بالكفر .

وكان ابن عباس يقول : هذا تهديد وإعلام أنَّ من تقدم إلى الطاعة والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً جوزي بثوابٍ لا ينقطع ، ومن تأخر عن الطاعة ، وكذب محمداً صلى الله عليه وسلم عوقب عقاباً لا ينقطع{[58572]} .

وقال السديُّ : «لمن شاء منكم أن يتقدم إلى النار المتقدم ذكرها ، أو يتأخر عنها إلى الجنة »{[58573]} .

فصل فيمن استدل بالآية على كون العبد متمكناً من الفعل

احتج المعتزلة بهذه الآية على كون العبد متمكناً من الفعل غير مجبور عليه .

وجوابه : أنَّ هذه الآية دلَّت على أن فعل العبد معلق على مشيئته ، لكن مشيئة العبد معلقة على مشيئة الله - تعالى جل ذكره - كقوله تعالى : { وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله } [ الإنسان : 30 ] .

وحينئذ تصير الآية حجة عليهم .

قال ابن الخطيب{[58574]} : وذكر الأصحاب جوابين آخرين :

الأول : معنى إضافة المشيئة إلى المخاطبين ، التهديد ، كقوله عز وجل : { فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } .

الثاني : أنَّ هذه المشيئة لله - تبارك وتعالى - على معنى : لمن شاء الله منكم أن يتقدم ، أو يتأخر .


[58570]:الجامع لأحكام القرآن 19/56.
[58571]:ينظر المصدر السابق 19/55.
[58572]:ينظر المصدر السابق.
[58573]:ينظر المصدر السابق.
[58574]:ينظر الفخر الرازي 30/185.