ثم قال تعالى : { خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر } وفيه قراءات خاشعا وخاشعة وخشعا ، فمن قرأ خاشعا على قول القائل : يخشع أبصارهم على ترك التأنيث لتقدم الفعل ومن قرأ خاشعة على قوله : { تخشع أبصارهم } ومن قرأ خشعا فله وجوه ( أحدها ) : على قول من يقول : يخشعن أبصارهم على طريقة من يقول : أكلوني البراغيث ( ثانيها ) : في : { خشعا } ضمير أبصارهم بدل عنه ، تقديره يخشعون أبصارهم على بدل الاشتمال كقول القائل : أعجبوني حسنهم . ( ثالثها ) : فيه فعل مضمر يفسره يخرجون تقديره يخرجون خشعا أبصارهم على بدل الاشتمال والصحيح خاشعا ، روي أن مجاهدا رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه فقال له : يا نبي الله خشعا أبصارهم أو خاشعا أبصارهم ؟ فقال عليه السلام : خاشعا ، ولهذه القراءة وجه آخر أظهر مما قالوه وهو أن يكون خشعا منصوبا على أنه مفعول بقوله : { يوم يدعو الداع } خشعا أي يدعو هؤلاء ، فإن قيل : هذا فاسد من وجوه ( أحدها ) : أن التخصيص لا فائدة فيه لأن الداعي يدعو كل أحد ، ( ثانيها ) : قوله : { يخرجون من الأجداث } بعد الدعاء فيكونون خشعا قبل الخروج وإنه باطل ، ( ثالثها ) : قراءة خاشعا تبطل هذا ، نقول أما الجواب عن الأول فهو أن يقال قوله : { إلى شيء نكر } يدفع ذلك لأن كل أحد لا يدعى إلى شيء نكر وعن الثاني المراد : ( من شيء نكر ) الحساب العسر يعني يوم يدع الداع إلى الحساب العسر خشعا ولا يكون العامل في : { يوم يدعو } يخرجون بل اذكروا ، أو : { فما تغني النذر } كما قال تعالى : { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } ويكون يخرجون ابتداء كلام ، وعن الثالث أنه لا منافاة بين القراءتين ؛ وخاشعا نصب على الحال أو على أنه مفعول يدعو كأنه يقول : يدعو الداعي قوما خاشعة أبصارهم والخشوع السكون قال تعالى : { وخشعت الأصوات } وخشوع الأبصار سكونها على كل حال لا تنفلت يمنة ولا يسرة كما في قوله تعالى : { لا يرتد إليهم طرفهم } وقوله تعالى : { يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر } مثلهم بالجراد المنتشر في الكثرة والتموج ، ويحتمل أن يقال : المنتشر مطاوع نشره إذا أحياه فكأنهم جراد يتحرك من الأرض ويدب إشارة إلى كيفية خروجهم من الأجداث وضعفهم .
خشعا أبصارهم : ذليلة خاضعة من شدة الهول .
7- { خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ } .
هم يخرجون من القبور في حالة من الذلة والخشوع والخوف ، لأنّ أثر العزّ والذل يتبين في نظر الإنسان .
قال تعالى : { أبصارها خاشعة } . ( النازعات : 9 ) .
وقال سبحانه وتعالى : { وتراهم يُعرضون عليها خاشعين من الذل يَنظرون من طرف خفي . . . } ( الشورى : 45 ) .
ويقال : خشع واختشع ، إذا ذلّ ، وخشع ببصره ، إذا غضّه ، وقرأ حمزة والكسائي : خاشعا أبصارهم .
{ يََخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ } .
يخرجون من القبور مسرعين مطيعين ، كأنهم جراد منتشر منبت في الآفاق ، وإذا نظرنا إلى الجراد في كثرته وتتابعه كأنه حملة قوية ، وكثيرا ما يكون وبالا على الزراعة ، أو ناشرا للآفات ، أدركنا عمق التعبير في الآية .
وقد قال تعالى في آية أخرى : { يوم يكون الناس كالفراش المبثوت } . ( القارعة : 4 ) .
إحداهما : عند الخروج من القبور يخرجون فزعين ، لا يهتدون أين يتوجهون ، فيدخل بعضهم في بعض ، فهم حينئذ كالفراش المبثوت بعضه في بعض ، لا جهة يقصدها .
الثانية : فإذا سمعوا المنادي قصدوه ، فصاروا كالجراد المنتشر ، لأن الجراد له جهة يقصدها .
كأنهم في انتشارهم وسرعة سيرهم إلى موقف الحساب جراد منتشر في الآفاق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.