روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدۡعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

{ وترى كُلَّ أُمَّةٍ } من الأمم المجموعة { جَاثِيَةً } باركة على الركب مستوفزة وهي هيئة المذنب الخائف المنتظر لما يكره ، وعن ابن عباس جاثية مجتمعة ، وعن قتادة جماعات من الجثوة مثلثة الجيم وهي الجماعة تجتمع على جثي أي تراب مجتمع ، وعن مؤرج السدوسي جاثية خاضعة بلغة قريش ، والخطاب في { تَرَى } لمن يصح منه الرؤية أو لسيد المخاطبين عليه الصلاة والسلام وهي بصرية ، و { جَاثِيَةً } حال وجوز أن تكون صفة ولو كانت علمية كانت مفعولاً ثانياً ، وقرئ { جاذية } بالذال والجذو أشد استيفازاً من الجثو لأن الجاذي هو الذي يجلس على أطراف أصابعه ، وجوز أن يكون الجاذي بمعنى الجاثي أبدلت ثاؤه ذالاً فإن الثاء والذال متقارضان كما قيل شحاث وشحاذ { جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تدعى إلى كتابها } إلى صحيفة أعمالها التي كتبتها الحفظة لتحاسب ، وأفرد على إرادة الجنس وإلا فلكل واحد من كل أمة صحيفة فيها أعماله ، وقيل : المراد كتاب نبيها تدعى إليه لينظر هل عملت به أولاً وحكي ذلك عن يحيى بن سلام إلا أنه حمل كل أمة على كل أمة كافرة والظاهر العموم ، وقيل : المراد بذلك اللوح المحفوظ أي تدعى إلى ما سبق لها فيه ، وقرأ يعقوب { كُلٌّ } بالنصب وخرج على أنه بدل من كل الأول ، وجملة { تدعى } صفة ، وإبدال الأمة المدعوة إلى كتابها من الأمة الجاثية حسن وجاء ذلك من الوصف ، ويقال مثل ذلك فيما إذا كان الجملة حالاً ، وإذا كانت الرؤية علمية وجملة { تدعى } مفعولاً ثانياً فالظاهر أنه تأكيد ، وجعله تأكيداً مع كون الجملة صفة فيه تخلل التأكيد بين الوصفين وهو كما في «الكشف » غير مستحسن { اليوم تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } مقول قول مقدر هو حال أو خبر بعد خبر .

وفي الكلام مضاف مقدر أي جزاء ما كنتم الخ أو هو من المجاز .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدۡعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

قوله : { وترى كل أمة جاثية } { جاثية } أي باركة على الركب . جثا جثوا وجثيّا بضمهما أي جلس على ركبتيه أو قام على أطراف أصابعه . وهو جاث . وقيل : مستوفزة . واستوفز في قعدته إذ قعد قعودا منتصبا غير مطمئن {[4193]} والمعنى : ترى يوم القيامة ، أهل كل ملة أو دين { جاثية } أي جالسة على ركبها وجلة . وذلك من هول القيامة الرعيبة ، وما يأتي على الكون حينئذ من أحداث جسام ، وخطوب هائلة مروعة . يومئذ تفزع القلوب وتضطرب الفرائص ، وتشخص الأبصار .

قوله : { كل أمة تدعى إلى كتابها } { كل } تقرأ بالرفع على أنها مبتدأ وخبره { تدعى } وتقرأ بالنصب على البدل من { كل } الأولى . { تدعى } ، في موضع نصب على الحال{[4194]} . يعني : كل أهل ملة أو دين يدعون إلى كتاب الحفظة ليقرأوه . وقال الجاحظ : تدعى كل أمة إلى كتاب نبيها فينظر هل عملوا به أم لا . وقيل : تدعى أمة قبل أمة ، وقوم قبل قوم ، ورجل قبل رجل . وذكر من حديث طويل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " يمثل لكل أمة يوم القيامة ما كنت تعبد من حجر أو وثن أو خشبة أو دابة ثم يقال : من كان يعبد شيئا فليتبعه ، فتكون ، أو تجعل تلك الأوثان قادة إلى النار حتى تقذفهم فيها " .

قوله : { اليوم تجزون ما كنتم تعملون } يقال لكل أمة من الأمم عقب ندائها إلى كتاب أعمالها : اليوم تعطون جزاء أعمالكم التي عملتموها في الدنيا ، فتجزون الإحسان بالإحسان ، والإساءة بالإساءة . أو تثابون الخير بالخير ، والشر بالشر . فلا ظلم يومئذ ولا بخس ولا جور .


[4193]:القاموس المحيط جـ 4 ص 312 ومختار الصحاح ص 730.
[4194]:البيان الابن الأنباري جـ 2 ص 366.