روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ} (3)

{ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ } وعيد لهم على كفرهم واستكبارهم ببيان ما أصاب اضرابهم ، و { كَمْ } مفعول { أَهْلَكْنَا } و { مّن قَرْنٍ } تمييز ، والمعنى ، قرناً كثيراً أهلكنا من القرون الخالية { فَنَادَوْاْ } عند نزول بأسنا وحلول نقمتنا استغاثة لينجوا من ذلك ، وقال الحسن . وقتادة : رفعوا أصواتهم بالتوبة حين عاينوا العذاب لينجو منه { وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } حال من ضمير { نَادُواْ } والعائد مقدر وإن لم يلزم أي مناصهم ولات هي لا المشبهة بليس عند سيبويه زيدت عليها تاء التأنيث لتأكيد معناها وهو النفي لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى أو لأن التاء تكون للمبالغة كما في علامة أو لتأكيد شبهها بليس بجعلها على ثلاثة أحرف ساكنة الوسط ، وقال الرضى : إنها لتأنيث الكلمة فتكون فتأكيد التأنيث واختصت بلزوم الأحيان ولا يتعين لفظ الحين إلا عند بعض وهو محجوج بسماع دخولها على مرادفه ، وقول المتنبي

: لقد تصبرت حتى لات مصطبر *** والآن أقحم حتى لات مقتحم

وإن لم يهمنا أمره مخرج على ذلك بجعل المصطبر والمقتحم اسمي زمان أو القول بأنها داخلة فيها على لفظ حين مقدر بعدها ؛ والتزموا حذف أحد الجزأين والغالب حذف المرفوع كما هنا على قراءة الجمهور أي ليس الحين حين مناص ، ومذهب الأخفش أنها لا النافية للجنس العاملة عمل إن زيدت عليها التاء فحين مناص اسمها والخبر محذوف أي لهم ، وقيل إنها لا النافية للفعل زيدت عليها التاء ولا عمل لها أصلاً فإن وليها مرفوع فمبتدأ حذف خبره أو منصوب كما هنا فبعدها فعل مقدر عامل فيه أي ولا ترى حين مناص ، وقرأ أبو السمال { وَّلاَتَ حِينَ } بضم التاء ورفع النون فعلى مذهب سيبويه { حِينٍ } اسم { لأَتٍ } والخبر محذوف أي ليس حين مناص حاصلاً لهم ، وعلى القول الأخير مبتدأ خبره محذوف وكذا على مذهب الأخفش فإن من مذهبه كما في «البحر » أنه إذا ارتفع ما بعدها فعلى الابتداء أي فلاحين مناص كائن لهم . وقرأ عيسى بن عمر { وَّلاَتَ حِينَ } بكسر التاء مع النون كما في قول المنذر بن حرملة الطائي النصراني

: طلبوا صلحنا ولات أوان *** فأجبنا أن لات حين بقاء

وخرج ذلك إما على أن لات تجر الأحيان كما أن لولا تجر الضمائر كلولاك ولولاه عند سيبويه ، وإما على إضمار من كأنه قيل : لات من حين مناص ولات من أوان صلح كما جروا بها مضمرة في قولهم على كم جذع بيتك أي من جذع في أصح القولين ، وقولهم

: ألا رجل جزاه الله خيراً ***

يريدون ألا من رجل ، ويكون موضع من حين مناص رفعاً على أنه اسم لات بمعنى ليس كما تقول ليس من رجل قائماً ، والخبر محذوف على قول سيبويه وعلى أنه مبتدأ والخبر محذوف على قول غيره ، وخرج الأخفش ولات أوان على إضمار حين أي ولات حين أوان صلح فحذفت حين وأبقى أوان على جره ، وقيل : أن أوان في البيت مبني على الكسر وهو مشبه باذ في قول أبي ذؤيب

: نهيتك عن طلابك أم عمرو *** بعاقبة وأنت إذ صحيح

ووجه التشبيه أنه زمان قطع عنه المضاف إليه لأن الأصل أوان صلح وعوض التنوين فكسر للالتقاء الساكنين لكونه مبنياً مثله فهما شبهان في أنهما مبنيان مع وجود تنوين في آخرها للعوض يوجب تحريك الآخر بالكسر وإن كان سبب البناء في أوان دون إذ شبه الغايات حيث جعل زماناً قطع عنه المضاف إليه وهو مراد وليس تنوين العوض مانعاً عن الإلحاق بها فإنها تبني إذا لم يكن تنوين لأن علته الاحتياج إلى المحذوف كاحتياج الحرف إلى ما يتم به ، وهذا المعنى قائم نون أو لم ينون فإن التنوين عوض لفظي لا معنوي فلا تنافي بين التعويض والبناء لكن اتفق أنهم لم يعوضوا التنوين إلا في حال إعرابها وكأن ذلك لئلا يتمحض للتعويض بل يكون فيها معنى التمكن أيضاً فلا منافاة ، وثبت البناء فيما نحن فيه بدليل الكسر وكانت العلة التي في الغايات قائمة فأحيل البناء عليها ، واتفق أنهم عوضوا التنوين ههنا تشبيهاً بإذ في أنها لما قطعت عن الإضافة نونت أو توفية لحق اللفظ لما فات حق المعنى ، وخرجت القراءة على حمل { مَنَاصٍ } على أوان في البيت تنزيلاً لما أضيف إليه الظرف وهو { حِينٍ } منزلة الظرف لأن المضاف والمضاف إليه كشيء واحد فقدرت ظرفيته وهو قد كان مضافاً إذا أصله مناصهم فقطع وصار كأنه ظرف مبني مقطوع عن الإضافة منون لقطعه ثم بنى ما أضيف إليه وهو { حِينٍ } على الكسر لإضافته إلى ما هو مبني فرضاً وتقديراً وهو { مَنَاصٍ } المشابه لأوان . وأورد عليه أن ما ذكر من الحمل لم يؤثر في المحمول نفسه فكيف يؤثر فيما يضاف إليه على أن في تخريج الجر في البيت على ذلك ما فيه ، والعجب كل العجب ممن يرتضيه ، وضم التاء على قراءة أبي السمال وكسرها على قراءة عيسى للبناء ، وروى عن عيسى { وَّلاَت حِين } بالضم { مَنَاصٍ } بالفتح ، قال «صاحب اللوامح » : فإن صح ذلك فلعله بني { حِينٍ } على الضم تشبيهاً بالغايات وبني { مَنَاصٍ } على الفتح مع { لات } وفي الكلام تقديم وتأخير أي ولات مناص حين لكن لا إنما تعمل في النكرات المتصلة بها دون المنفصلة عنها ولو بظرف ، وقد يجوز أن يكون لذلك معنى لا أعرفه انتهى ، وأهون من هذا فيما أرى كون { حِينٍ } معرباً مضافاً إلى { مَنَاصٍ } والفتح لمجاورة واو العطف في قوله تعالى : { وَعَجِبُواْ } [ ص : 4 ] نظير فتح الراء من غير في قوله

: لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت *** حمامة في غصون ذات أرقال

على قول والأغلب على الظن عدم صحة هذه القراءة . وقرأ عيسى أيضاً كقراءة الجمهور إلا أنه كسر تاء { لأَتٍ } وعلم من هذه القراءات أن في تائها ثلاث لغات ، واختلفوا في أمر الوقف عليها فقال سيبويه ، والفراء وابن كيسان . والزجاج : يوقف عليها بالتاء ، وقال الكسائي : والمبرد . بالهاء ، وقال أبو علي : ينبغي أن لا يكون خلاف في أن الوقف بالتاء لأن قلب التاء هاء مخصوص بالأسماء ؛ وزعم قوم أن التاء ليست ملحقة بلا وإنما هي مزيدة في أول ما بعدها واختاره أبو عبيدة ، وذكر أنه رأى في الإمام { وَلاَ حِينَ مَنَاصٍ } برسم التاء مخلوطاً بأول حين ، ولا يرد عليه أن خط المصحف خارج عن القياس الخطي إذ لم يقع في الإمام في محل آخر مرسوماً على خلاف ذلك حتى يقال ما هنا مخالف للقياس والأصل اعتباره إلا فيما خصه الدليل ، ومن هنا قال السخاوي في «شرح الرائية » أنا أستحب الوقف على لا بعد ما شاهدته في مصحف عثمان رضي الله تعالى عنه ، وقد سمعناهم يقولون : اذهب تلان وتحين بدون لا وهو كثير في النثر والنظم انتهى ، ومنه قوله

: العاطفون تحين لا من عاطف *** والمطعمون زمان ما من مطعم

وكون أصله العاطفونه بها السكت فلما أثبتت في الدرج قلبت تاء مما لا يصغى إليه ، نعم الأول اعتبار التاء مع لا لشهرة حين دون تحين ، وقال بعضهم : إن لات هي ليس بعينها وأصل ليس ليس بكسر الياء فأبدلت ألفاً لتحركها بعد فتحة وأبدلت السين تاء كما في ست فإن أصله سدس ، وقيل : إنها فعل ماض ولات بمعنى نقص وقل فاستعملت في النفي كقل وليس بالمعول عليه ، والمناص المنجا والفوت يقال : ناصه ينوصه إذا فاته ، وقال الفراء : النوص التأخر يقال ناص عن قرنه ينوص نوصاً ومناصاً أي فروزاغ ، ويقال استناص طلب المناص قال حارثة بن بدر يصف فرساً له

: غمر الجراء إذا قصرت عنانه *** بيدي استناص ورام جرى المسحل

وعلى المعنى الأول حمله بعضهم هنا وقال : المعنى نادوا واستغاثوا طلباً للنجاة والحال أن ليس الحين حين فوات ونجاة ؛ وعن مجاهد تفسيره بالفراء ، وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : اخبرني عن قوله تعالى : { وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } فقال : ليس بحين فرار وأنشد له قول الأعشى

: تذكرت ليلى لات حين تذكر *** وقد بنت عنها والمناص بعيد

وعن الكلبي أنه قال : كانوا إذا قاتلوا فاضطروا قال بعضهم لبعض : مناص أي عليكم بالفرار فلما أتاهم العذاب قالوا : مناص فقال الله تعالى : { وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } قال القشيري : فعلى هذا يكون التقدير فنادوا مناص فحذف لدلالة ما بعده عليه أي ليس الوقت وقت ندائكم به ، والظاهر أن الجملة على هذا التفسير حالية أي نادوا بالفرار وليس الوقت وقت فرار ، وقال أبو حيان : في تقرير الحالية وهم لات حين مناص أي لهم ، وقال الجرجاني : أي فنادوا حين لا مناص أي ساعة لا منجا ولا فوت فلما قدم لا وأخر حين اقتضى ذلك الواو كما يقتضي الحال إذا جعل مبتدأ وخبراً مثل جاء زيد راكباً ثم تقول جاء زيد وهو راكب فحين ظرف لقوله تعالى : { فَنَادَوْاْ } انتهى .

وكون الأصل ما ذكر أن { حِينٍ } ظرف لنادوا دعوى أعجمية مخالفة لذوق الكلام العربي لاسيما ما هو أفصح الكلام ولا أدري ما الذي دعاه لذلك .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ} (3)

قوله تعالى : { كم أهلكنا من قبلهم من قرن } يعني : من الأمم الخالية ، { فنادوا } استغاثوا عند نزول العذاب وحلول النقمة ، { ولات حين مناص } أي ليس حين نزول العذاب بهم حين فرار ، و( ( المناص ) ) مصدر ناص ينوص ، وهو الفرار والتأخير ، يقال : ناص ينوص إذا تأخر ، وناص ينوص إذا تقدم ، و ( ( لات ) ) بمعنى ليس بلغة أهل اليمن . وقال النحويون هي ( ( لا ) ) زيدت فيها التاء ، كقولهم : رب وربت وثم وثمت ، وأصلها هاء وصلت بلا ، فقالوا : ( ( لاة ) ) كما قالوا : ثمة ، فجعلوها في الوصل تاء ، والوقف عليها بالتاء عند الزجاج ، وعند الكسائي بالهاء : لاه ، ذهب جماعة إلى أن التاء زيدت في ( ( حين ) ) ، والوقف على ( ( ولا ) ) ، ثم يبتدئ : ( ( تحين ) ) ، وهو اختيار أبي عبيدة ، وقال : كذلك وجدت في مصحف عثمان ، وهذا كقول أبي وجرة السعدي : العاطفون تحين ما من عاطف *** والمطعمون زمان ما من مطعم

وفي حديث ابن عمر ، وسأله رجل عن عثمان ، فذكر مناقبه ثم قال : اذهب بها تلان إلى أصحابك ، يريد : الآن . قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان كفار مكة إذا قاتلوا فاضطروا في الحرب ، قال بعضهم لبعض : مناص ، أي : اهربوا وخذوا حذركم ، فلما أنزل بهم العذاب ببدر قالوا : مناص ، فأنزل الله تعالى : { ولات حين مناص }أي ليس الحين حين هذا القول .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ} (3)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم خوفهم، فقال جل وعز: {كم أهلكنا من قبلهم} من قبل كفار مكة.

{من قرن} من أمة بالعذاب في الدنيا، الأمم الخالية.

{فنادوا} عند نزول العذاب في الدنيا.

{ولات حين مناص} ليس هذا بحين فرار، فخوفهم لكيلا يكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم.

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

قال مالك عن زيد بن أسلم: {ولات حين مناص}: ولا نداء في غير حين النداء.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: كثيرا أهلكنا من قبل هؤلاء المشركين من قريش الذين كذّبوا رسولنا محمدا صلى الله عليه وسلم فيما جاءهم به من عندنا من الحقّ "مِنْ قَرْنٍ "يعني: من الأمم الذين كانوا قبلهم، فسلكوا سبيلهم في تكذيب رسلهم فيما أتوهم به من عند الله "فَنادَوْا" يقول: فعجوا إلى ربهم وضجوا واستغاثوا بالتوبة إليه، حين نزل بهم بأس الله وعاينوا به عذابه فرارا من عقابه، وهربا من أليم عذابه، "وَلاتَ حِينَ مَناصٍ" يقول: وليس ذلك حين فرار ولا هرب من العذاب بالتوبة، وقد حقّت كلمة العذاب عليهم، وتابوا حين لا تنفعهم التوبة، واستقالوا في غير وقت الإقالة. وقوله: "مَناصٍ" مفعل من النّوص، والنوص في كلام العرب: التأخر، والمناص: المفرّ...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ} بوجهين: أحدهما: إن هذا في كل كافر ومشرك، ينادي عند موته وهلاكه، ويسأل ربه الرجوع والعود إلى الدنيا ليؤمن كقوله: {رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة} [المؤمنون: 99/100]، لكن لا ينفع ذلك النداء والغوث والسؤال للتأخير على ما أخبر أنه إذا {جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [الأعراف: ب 34 والنحل: 61].

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{كَمْ أَهْلَكْنَا} وعيد لذوي العزّة والشقاق...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

القرن الأمة من الناس يجمعها زمن احد...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

المعنى: أنهم نادوا عند نزول العذاب في الدنيا ولم يذكر بأي شيء نادوا وفيه وجوه:

الثالث: نادوا أي رفعوا أصواتهم، يقال فلان أندى صوتا من فلان أي ارفع صوتا.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان للعلم الذي أراد الله إظهاره في هذا الوجود طريقان: حال ومقال، فأما الحال فهو ما تنطق به أحوال الموجودات التي أبدعها سبحانه في هذا الكون من علوم يدرك منها من أراد الله ما أراد، وأما المقال فهو هذا الذكر الذي هو ترجمة عن جميع الوجود، وكان سبحانه قد قدم الذكر لأنه أبين وأظهر، وأخبر أنهم أعرضوا عنه وشاققوه، وكان من شاقق الملك استحق الهلاك، وكان ما أبدوه من المغالبة أمراً غائظاً للمؤمنين، أتبعه ما يصلح لتخويف الكافرين وترجية المؤمنين مما أفصح به لسان الحال من إهلاك المنذرين، وهو أبين ما يكون من دلالاته، وأظهر ما يوجد من آياته، فقال استئنافاً:

{كم أهلكنا} وكأن المنادين بما يذكر كانوا بعض المهلكين، وكانوا أقرب المهلكين إليهم في الزمان، فأدخل الجار لذلك، فقال دالاً على ابتداء الإهلاك: {من قبلهم} وأكد كثرتهم بقوله مميزاً: {من قرن} أي كانوا في شقاق مثل شقاقهم؛ لأنهم كانوا في نهاية الصلابة والحدة والمنعة -بما دل عليه "قرن".

ولما تسبب عن مسهم بالعذاب دلهم قال جامعاً على معنى "قرن "لأنه أدل على عظمة الإهلاك: {فنادوا} أي بما كان يقال لهم: إنه سبب للنجاة من الإيمان والتوبة، واستعانوا بمن ينقذهم، أو فعلوا النداء ذعراً ودهشة من غير قصد منادي، فيكون الفعل لازماً.

ولما قرر سبحانه في غير موضع أن التوبة لا تنفع إلا عند التمكن والاختيار لا عند الغلبة والاضطراب، قال تعالى مؤكداً لهذا المعنى في جملة حالية بزيادة التاء التي أصلها هاء في" لا"... {ولات} أي وليس الحين {حين مناص} أي فراراً بتحرك بتقدم ولا تأخر، بحركة قوية ولا ضعيفة، فضلاً عن نجاة، قال ابن برجان: والنوص يعبر به تارة عن التقدم وتارة عن التأخر وهو كالجماح والنفار من الفرس.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

استئناف بياني لأن العزة عن الحق والشقاقَ لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم مما يثير في خاطر السامع أن يسأل عن جزاء ذلك فوقع هذا بياناً له، وهذه الجملة معترضة بين جملة {بل الذين كفروا في عزَّةٍ وشقاق}، وبين جملة {وعجبوا أن جاءهم منذرٌ منهم}. وكان هذا البيان إخبَاراً مُرفَقاً بحجة من قبيل قياس تمثيل، لأن قوله: {مِن قبلهم} يؤذن بأنهم مثلهم في العزة والشقاق ومتضمناً تحذيراً من التريث عن إجابة دعوة الحق، أي ينزل بهم العذاب فلا ينفعهم ندم ولا متاب كما لم ينفع القرون من قبلهم.

{مِن قَرنٍ} تمييز لإِبهام العدد، أي عدداً كثيراً من القرون.

{فنَادوا} نداؤهم الله تعالى تَضرعاً، وهو الدعاء كما حكي عنهم في قوله تعالى:

{ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون}.

{ولاَتَ حينَ منَاصٍ} في موضع الحال، والواو واو الحال، أي نادوا في حال لا حين مناص لهم.