فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ} (3)

ثم خوفهم سبحانه وهددهم بما فعله من قبلهم من الكفار فقال :

{ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ } : يعني الأمم الخالية المهلكة بتكذيب الرسل ، أي كم أهلكنا الذين كانوا أمنع من هؤلاء ، وأشد قوة ، وأكثر أموالا و { كم } هي الخبرية الدالة على التكثير ، وهي في محل نصب بأهلكنا على أنها مفعول به ، ومن قرن تمييز ، و " من " في " من قبلهم " هي لابتداء الغاية .

{ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ } النداء هنا هو نداء الاستغاثة منهم عند نزول العذاب بهم ، وليس الحين حين مناص ، قال الحسن نادوا بالتوبة ، وليس حين التوبة ، ولا حين ينفع العمل ، والمناص مصدر ناص ينوص ، وهو الفوت والتأخر ، ولات بمعنى ليس ، بلغة أهل اليمن ، وقال النحاة هي لا التي بمعنى ليس زيدت عليها التاء كما في قولهم رب وربت وثم وثمت قال الفراء النوص التأخر ، وأنشد قول امرئ القيس :

أمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص *** فتقصر عنها خطوة وتبوص

قد يقال ناص عن قرنه ينوص نوصا ومناصا أي فر وراغ قال الفراء ويقال ناص ينوص إذا تقدم ، وقيل المعنى أنه قال بعضهم لبعض مناص أي عليكم بالفرار والهزيمة ، فلما أتاهم العذاب قالوا مناص فقال الله ولات حين مناص قال سيبويه والخليل لات مشبهة بليس ، والاسم فيها مضمر ، أي ليس حيننا حين مناص ، وقال الزجاج التقدير وليس أواننا ، قال ابن كيسان والقول قول سيبويه ، والوقف عليها عند الكسائي بالهاء ، وبه قال المبرد والأخفش . وقال الأخفش إنها لا النافية للجنس زيدت عليها التاء ، وخصت بنفي الأحيان وقال الكسائي والفراء والخليل وسيبويه والأخفش التاء تكتب منقطعة عن حين ، وكذلك هي في المصاحف ، وقال أبو عبيدة : تكتب متصلة بحين فقال : ولا تحين ، وقد يستغني بحين عن المضاف إليه ، قال أبو عبيدة : لم نجد العرب تزيد هذه التاء إلا في حين وأوان ، الآن .

قلت قد يزيدونها في غير ذلك أيضا ، وقال ابن عباس ليس بحين نزو ولا فرار ، وأخرج ابن أبيّ من طريق عكرمة عنه قال : نادوا النداء حين لا ينفعهم وأنشد .

تذكرت ليلى حين لات تذكر *** وقد بنت منها والمناص بعيد

وعنه قال : ليس هذا حين زوال ، وعنه قال : لا حين فرار وقرأ الجمهور لات بفتح التاء وقرئ بكسرها كجير وجملة لات حين مناص في محل نصب على الحال من ضمير نادوا .