الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ} (3)

{ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ } بالأيمان والاستغاثة عند نزول العقوبة وحلول النقمة بهم .

{ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } وليس بوقت فرار ولا بر .

وقال وهب : { وَّلاَتَ } بلغة السريانية إذا أراد السرياني أن يقول وليس يقول : ولات . وقال أئمة أهل اللغة : { وَّلاَتَ حِينَ } مفتوحتان كأنّهما كلمة واحدة ، وإنّما هي " لا " زيدت فيها التاء كقولهم : رُبّ ورُبَّت ، وثمَّ وثمَّت .

قال أبو زيد الطائي :

طلبوا صلحنا ولات أوان *** فأجبنا أن ليس حين بقاء

[ وقال ] آخر :

تذكّرت حبّ ليلى لات حيناً *** وأمسى الشيب فقطع القرينا

وقال قوم : إن التاء زيدت في حين كقول أبي وجزة السعديّ :

العاطفون حين ما من عاطف *** والمطعمون زمان ما من مطعم

وتقول العرب : تلان بمعنى الآن ، ومنه حديث ابن عمر سأله رجل عن عثمان رضي الله عنه فذكر مناقبه ثم قال : اذهب بها تلان إلى أصحابك يريد الآن .

وقال الشاعر :

تولى قبل يوم بين حمانا *** وصلينا كما زعمت تلانا

فمن قال : إن التاء مع " لا " قالوا : قف عليه لأن بالتاء [ . . . ] .

وروى قتيبة عن الكسائي أنّه كان يقف : ولاه ، بالهاء ، ومثله روي عن أهل مكة ، ومن قال : إن التاء مع حين . قالوا : قف عليه ولا ، ثم يبتدىء بحين مناص . وهو اختيار أبي عبيد قال : لأني تعمدّت النظر إليه في الأمام مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه عنه فوجدت التاء متصلة مع حين قد ثبتت : " تحين " .

وقال الفراء : النوص بالنون التأخر ، والبوص بالباء التقدم . وجمعهما امرؤ القيس في بيت فقال :

أمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص *** فتقصر عنها خطوة وتبوص

فمناص مفعل من ناص مثل مقام .

قال ابن عباس : كان كفار مكة إذا قاتلوا فاضطروا في الحرب قال بعضهم لبعض : مناص ، أي اهربوا وخذوا حذركم ، فلما نزل بهم العذاب ببدر قالوا : مناص ، فأنزل الله سبحانه { وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } .