الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ} (3)

{ كَمْ أَهْلَكْنَا } وعيد لذوي العزّة والشقاق { فَنَادَواْ } فدعوا واستغاثوا ، وعن الحسن . فنادوا بالتوبة { وَّلاَتَ } هي لا المشبهة بليس ، زيدت عليها تاء التأنيث كما زيدت على رب ، وثم للتوكيد ، وتغير بذلك حكمها حيث لم تدخل إلا على الأحيان ولم يبرز إلا أحد مقتضييها : إمّا الاسم وإما الخبر ، وامتنع بروزهما جميعاً ، وهذا مذهب الخليل وسيبويه . وعند الأخفش : أنها لا النافية للجنس زيدت عليها التاء ، وخصّت بنفي الأحيان . و { حِينَ مَنَاصٍ } منصوب بها ، كأنك قلت : ولا حين مناص لهم . وعنه : أنّ ما ينتصب بعده بفعل مضمر ، أي : ولا أرى حين مناص ويرتفع بالابتداء : أي ولا حين مناص كائن لهم وعندهما أن النصب على : ولات الحين حين مناص ، أي : وليس الحين حين مناص والرفع على ولات حين مناص حاصلاً لهم . وقرىء : «حين مناص » بالكسر ، ومثله قول أبي زبيد الطائي :

طَلَبُوا صُلْحَنَا وَلاَتَ أَوَانٍ *** فَأَجَبْنَا أَنْ لاَتَ حِينَ بَقَاءِ

فإن قلت : ما وجه الكسر في أوان ؟ قلت : شبه بإذ في قوله : وأنت إذ صحيح ، في أنه زمان قطع منه المضاف إليه وعوض التنوين : لأنّ الأصل : ولات أوان صلح .

فإن قلت : فما تقول في حين مناص والمضاف إليه قائم ؟ قلت : نزل قطع المضاف إليه من مناص ؛ لأنّ أصله حين مناصهم منزلة من قطعة من حين ، لاتخاد المضاف والمضاف إليه ، وجعل تنوينه عوضاً من الضمير المحذوف ، ثم بنى الحين لكونه مضافاً إلى غير متمكن . وقرىء : «ولات » بكسر التاء على البناء ، كجير .

فإن قلت : كيف يوقف على لات ؟ قلت : يوقف عليها بالتاء ، كما يوقف على الفعل الذي يتصل به تاء التأنيث . وأمّا الكسائي فيقف عليها بالهاء كما يقف على الأسماء المؤنثة . وأمّا قول أبي عبيد : إنّ التاء داخلة على حين فلا وجه له . واستشهاده بأنّ التاء ملتزقة بحين في الإمام لا متشبث به ، فكم وقعت في المصحف أشياء خارجة عن قياس الخط . والمناص : المنجا والفوت . يقال : ناصه ينوصه إذا فاته . واستناص : طلب المناص . قال حارثة بن بدر :

غَمْرُ الْجِرَاءِ إِذَا قَصَرْتُ عِنَانَهُ *** بِيَدي اسْتَنَاصَ وَرَامَ جَرْيَ المُسْحِلِ