النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ} (3)

{ كم أهلكنا مِن قَبْلِهم } : يعني قبل كفار هذه الأمة .

{ من قرن } فيه قولان : أحدهما : يعني من أمة ، قاله أبو مالك . الثاني : أن القرن زمان مقدور وفيه سبعة أقاويل :

أحدها : أنه عشرون سنة ، قاله الحسن . الثاني : أربعون سنة ، قاله إبراهيم . الثالث : ستون سنة ، رواه أبو عبيدة الناجي . الرابع : سبعون سنة ، قاله قتادة . الخامس : ثمانون سنة ، قاله الكلبي . السادس : مائة سنة{[2372]} ، رواه عبد الله بن بشر عن النبي صلى الله عليه وسلم . السابع : عشرون ومائة سنة ، قاله زرارة بن أوفي .

قوله عز وجل : { فنادوا ولات حين مناص } : يحتمل وجهين : أحدهما : استغاثوا . الثاني : دعوا .

( ولات حين مناص ) : التاء من لات مفصولة من الحاء وهي كذلك في المصحف ، ومن وصلها بالحاء فقد أخطأ . وفيها وجهان : أحدهما : أنها بمعنى لا وهو قول أبي عبيدة . الثاني : أنها بمعنى ليس ولا تعمل إلا في الحين خاصة ، قال الشاعر :

تذكر حب ليلى لات حيناً *** وأضحى الشيب قد قطع القرينا

وفي تأويل قوله تعالى { ولات حين مناص } خمسة أوجه :

أحدها : وليس حين ملجأ ، قاله زيد بن أسلم . الثاني : وليس حين مَغاث ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، ومنه قول علي رضي الله عنه في رجز له :

لأصبحنّ العاصي بن العاصي *** سبعين ألفاً عاقِدي النواصي

قد جنبوا الخيل على الدلاصِ *** آساد غيل حين لا مناص

الثالث : وليس حين زوال ، رواه أبو قابوس عن ابن عباس ومنه قول الشاعر :

فهم خشوع لدية لا مناص لهم *** يضمهم مجلس يشفي من الصيد

الرابع : وليس حين فرار ، قاله عكرمة والضحاك وقتادة قال الفراء مصدر من ناص ينوص ، والنوص بالنون التأخر ، والبوص بالباء التقدم وأنشد قول امرئ القيس :

أمِن ذكر ليلى إن نأتك تنوص *** فتقصر عنها خطوة وتبوص

فجمع في هذا البيت بين البوص والنوص فهو بالنون التأخر وبالباء التقدم .

الخامس : أن النوص بالنون التقدم ، والبوص بالباء التأخر ، وهو من الأضداد ، وكانوا إذا أحسوا في الحرب بفشل قال بعضهم لبعض : مناص . أي حملة واحدة ، فينجو فيها من نجا ويهلك فيها من هلك ، حكاه الكلبي . فصار تأويله على هذا الوجه ما قاله السدي أنهم حين عاينوا الموت لم يستطيعوا فراراً من العذاب ولا رجوعاً إلى التوبة .


[2372]:الذي أصبح معروفا هو أن القرآن مائة سنة.