فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ} (3)

ثم خوّفهم سبحانه ، وهدّدهم بما فعله بمن قبلهم من الكفار ، فقال : { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ } يعني الأمم الخالية المهلكة بتكذيب الرسل ، أي كم أهلكنا من الأمم الخالية الذين كانوا أمنع من هؤلاء ، وأشدّ قوة ، وأكثر أموالاً ، وكم هي : الخبرية الدالة على التكثير ، وهي في محل نصب بأهلكنا على أنها مفعول به ، و [ من قرن ] تمييز ، و{ من } في { مِن قَبْلِهِمُ } هي لابتداء الغاية . { فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } النداء هنا : هو نداء الاستغاثة منهم عند نزول العذاب بهم ، وليس الحين حين مناص . قال الحسن : نادوا بالتوبة ، وليس حين التوبة ، ولا حين ينفع العمل . والمناص مصدر ناص ينوص ، وهو الفوت والتأخر . ولات بمعنى : ليس ، بلغة أهل اليمن . وقال النحويون : هي لا التي بمعنى ليس زيدت عليها التاء كما في قولهم : ربّ ، وربت ، وثمّ وثمت قال الفراء : النوص : التأخر ، وأنشد قول امرئ القيس :

* أمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص *

قال : يقال ناص عن قرنه ينوص نوصاً أي : فرّ ، وزاغ . قال الفراء : ويقال : ناص ينوص : إذا تقدّم . وقيل المعنى : أنه قال بعضهم لبعض : مناص ، أي : عليكم بالفرار والهزيمة ، فلما أتاهم العذاب قالوا : مناص ، فقال الله : { وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } قال سيبويه : لات مشبهة بليس ، والاسم فيها مضمر ، أي : ليس حيننا حين مناص . قال الزجاج : التقدير وليس أواننا . قال ابن كيسان : والقول كما قال سيبويه ، والوقف عليها عند الكسائي بالهاء ، وبه قال المبرد ، والأخفش . قال الكسائي ، والفرّاء ، والخليل ، وسيبويه ، والأخفش : والتاء تكتب منقطعة عن حين ، وكذلك هي في المصاحف . وقال أبو عبيد : تكتب متصلة بحين ، فيقال : ( ولا تحين ) ، ومنه قول أبيّ ، وجرة السعدي :

العاطفون تحين ما من عاطف *** والمطعمون زمان ما من مطعم

وقد يستغنى بحين عن المضاف إليه كما قال الشاعر :

تذكر حبّ ليلى لات حينا *** وأمسى الشيب قد قطع القرينا

قال أبو عبيد : لم نجد العرب تزيد هذه التاء إلا في حين وأوان ، والآن . قلت : بل قد يزيدونها في غير ذلك كما في قول الشاعر :

فلتعرفن خلائقا مشمولة *** ولتندمنّ ولات ساعة مندم

وقد أنشد الفراء هذا البيت مستدلاً به على أن من العرب من يخفض بها ، وجملة : { وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } في محل نصب على الحال من ضمير نادوا . قرأ الجمهور : { لات } بفتح التاء ، وقرئ : " لات " بالكسر كجير .

/خ11