السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ} (3)

{ كم } أي : كثيراً { أهلكنا من قبلهم } وأكد كثرتهم بقوله تعالى : { من قرن } أي : من أمة من الأمم الماضية كانوا في شقاق مثل شقاقهم .

تنبيه : كم مفعول أهلكنا ، ومن قرن تمييز ، ومن قبلهم لابتداء الغاية { فنادوا } أي : استغاثوا عند نزول العذاب وحلول النقمة وقيل : نادوا بالإيمان والتوبة { ولاَت } أي : وليس الحين { حين مناص } أي : منجى وفرار ، قال ابن عباس : كان كفار مكة إذا قاتلوا فاضطروا في الحرب ، قال بعضهم لبعض : مناص أي : اهربوا وخذوا حذركم ، فلما نزل بهم العذاب ببدر قالوا : مناص ، فأنزل الله تعالى ذلك ، والمناص مصدر ناص ينوص إذا تقدم ، ولات بمعنى : ليس بلغة أهل اليمن ، وقال النحويون : هي لا زيدت فيها التاء كقولهم : رب وربت ، وثم وثمت ، وأصلها هاء وصلت بلا فقالوا : لات كما قالوا : ثمت ولا تعمل إلا في الأزمان خاصة نحو لات حين ولات أوان كقول الشاعر :

طلبوا صلحنا ولات أوان *** فأجبنا أن ليس حين بقاء

والأكثر حينئذ حذف مرفوعها فتقديره ولات الحين حين مناص ، وقد يحذف المنصوب ويبقى المرفوع كقول القائل :

من صد عن نيرانها *** فأنا ابن قيس لا براحْ

أي : لا براح لي .