روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَـٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (102)

{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعى } فصيحة تعرب عن مقدر قد حذف تعويلاً على شهادة الحال وإيذاناً بعدم الحاجة إلى التصريح به لاستحالة التخلف أي فوهبناه له ونشأ فلما بلغ رتبة أن يسعى معه في أشغاله وحوائجه ، و { مَّعَ } ظرف للسعي وهي تدل على معنى الصحبة واستحداثها ، وتعلقها بمحذوف دل عليه المذكور لأن صلة المصدر لا تتقدمه لأنه عند العمل مؤول بأن المصدرية والفعل ومعمول الصلة لا يتقدم على الموصول لأنه كتقدم جزء الشيء المرتب الأجزاء عليه أو لضعفه عن العمل فيه بحث ، أما أولاً : فلأن التأويل المذكور على المشهور في المصدر المنكر دون المعرف ، وأما ثانياً : فلأنه إذا سلم العموم فليس كل ما أول بشيء حكمه حكم ما أول به ، وأما ثالثاً : فلأن المقدم هنا ظرف وقد اشتهر أنه يغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره .

وصرحوا بأنه يكفيه رائحة الفعل وبهذا يضعف حديث المنع لضعف العامل عن العمل فالحق أنه لا حاجة في مثل ذلك إلى التقدير معرفاً كان المصدر أو منكراً كقوله تعالى : { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ } [ النور : 2 ] وهو الذي ارتضاه الرضى وقال به العلامة الثاني ، واختار «صاحب الفرائد » كونها متعلقة بمحذوف وقع حالاً من { السعى } أي فلما بلغ السعي حال كون ذلك السعي كائناً معه ، وفيه أن السعي معه معناه اتفاقهما فيه فالصحبة بين الشخصين فيه ، وما قدره يقتضي الصحبة بين السعي وإبراهيم عليه السلام ولا يطابق المقام ، وجوز تعلقه ببلغ ، ورد بأنه يقتضي بلوغهما معاً حد السعي لما سمعت من معنى مع وهو غير صحيح ، وأجيب بأن مع على ذلك لمجرد الصحبة على أن تكون مرادفة عند نحو فلان يتغنى مع السلطان أي عنده ويكون حاصل المعنى بلغ عند أبيه وفي صحبته متخلقاً بأخلاقه متطبعاً بطباعه ويستدعي ذلك كمال محبة الأب إياه ، ويجوز على هذا أن تتعلق بمحذوف وقع حالاً من فاعل { بَلَغَ } ومن مجيء مع لمجرد الصحبة قوله تعالى حكاية عن بلقيس : { أَسْلَمْتُ * مَعَ سليمان لِلَّهِ رَبّ العالمين } [ النمل : 44 ] فلتكن فيما نحن فيه مثلها في تلك الآية . وتعقب بأن ذاك معنى مجازي والحمل على المجاز هنالك للصارف ولا صارف فيما نحن فيه فليحمل على الحقيقة على أنه لا يتعين هنالك أن تكون لمعية الفاعل لجواز أن يراد أسلمت لله ولرسوله مثلاً ، وتقديم { مَّعَ } إشعاراً منها بأنها كانت تظن أنها على دين قبل وأنها مسلمة لله تعالى فيما كانت تعبد من الشمس فدل على أنه إسلام يعتد به من أثر متابعة نبيه لا إسلام كالأول فاسد ، قال «صاحب الكشف » : وهذا معنى صحيح حمل الآية عليه أولى وإن حمل على معية الفاعل لم يكن بد من محذوف نحو مع بلوغ دوعته وإظهار معجزته لأن فرق ما بين المقيد ومطلق الجمع معلوم بالضرورة ، وزعم بعض أنه لا مانع من إرادة الحقيقة واستحداث إسلامهما معاً على معنى أنه عليه السلام وافقها أو لقنها وليس بشيء كما لا يخفى .

وقيل يراد بالسعي على تقدير تعلق مع ببلغ المسعى وهو الجبل المقصود إليه بالمشي وهو تكلف لا يصار إليه .

وبالجملة الأولى تعلقها بالسعي ، والتخصيص لأن الأب أكمل في الرفق وبالاستصلاح له فلا يستسعيه قبل أو أنه أو لأنه عليه السلام استوهبه لذلك ، وفيه على الأول بيان أوانه وأنه في غضاضة عوده كان فيه ما فيه من رصانة العقل ورزانة الحلم حتى أجاب بما أجاب ، وعلى الثاني بيان استجابة دعائه عليه السلام وكان للغلام يومئذ ثلاث عشرة سنة والولد أحب ما يكون عند أبيه في سن يقدر فيه على إعانة الأب وقضاء حاجة ولا يقدر فيه على العصيان { قَالَ يَاءادَمُ * بَنِى * إِنّى أرى فِى المنام أَنّى أَذْبَحُكَ } يحتمل أنه عليه السلام رأى في منامه أنه فعل ذبحه فحمله على ما هو الأغلب في رؤيا الأنبياء عليهم السلام من وقوعها بعينها ، ويحتمل أنه رأى ما تأويل ذلك لكن لم يذكره وذكر التأويل كما يقول الممتحن وقد رأى أنه راكب في سفينة رأيت في المنام أني ناج من هذه المحنة ، وقيل إنه رأى معالجة الذبح ولم ير إنهار الدم فأني أذبحك إني أعالج ذبحك ، ويشعر صنيع بعضهم اختيار أنه عليه السلام أتى في المنام فقيل له اذبح ابنك ورؤيا الأنبياء وحي كالوحي في اليقظة ، وفي رواية أنه رأى ليلة التروية كأن قائلاً يقول إن الله تعالى يأمرك بذبح ابنك فلما أصبح روأ في ذلك وفكر من الصباح إلى الرواح أمن الله تعالى هذا الحلم أم من الشيطان فمن ثم سمي يوم التروية فلما أمسى رأي مثل ذلك فعرف أنه من الله تعالى فمن ثم سمي يوم عرفة ثم رأى مثله في الليلة الثالثة فهم بنحره فسمي يوم النحر ، وقيل إن الملائكة حين بشرته بغلام حليم قال هو إذن ذبيح الله فلما ولد وبلغ حد السعي معه قيل له أوف بنذرك ، ولعل هذا القول كان في المنام وإلا فما يصنع بقوله : { إِنّى أرى فِى المنام أَنّى أَذْبَحُكَ } وفي كلام التوراة التي بأيدي اليهود اليوم ما يرمز إلى أن الأمر بالذبح كان ليلاً فإنه بعد أن ذكر قول الله تعالى له عليه السلام خذ ابنك وامض إلى بلد العبادة وأصعده ثم قرباناً على أحد الجبال الذي أعرفك به قيل فأدلج إبراهيم بالغداة الخ فالأمر إما مناماً وإما يقطة لكن وقع تأكيداً لما في المنام إذ لا محيص عن الايمان بما قصه الله تعالى علينا فيما أعجز به الثقلين من القرآن والحزم الجزم بكونه في المنام لا غير إذ لا يعول على ما في أيدي اليهود وليس في الأخبار الصحيحة ما يدل على وقوعه يقطة أيضاً .

/ ولعل السر في كونه مناماً لا يقظة أن تكون المبادرة إلى الامتثال أدل على كمال الانقياد والإخلاص .

وقيل : كان ذلك في المنام دون اليقظة ليدل على أن حالتي الأنبياء يقظة ومناماً سواء في الصدق ، والأول أولى ، والتأكيد لما في تحقق المخبر به من الاستبعاد ، وصيغة المضارع في الموضعين قيل لاستحضار الصورة الماضية لنوع غرابة ، وقيل : في الأول لتكرر الرؤية وفي الثاني للاستحضار المذكور أو لتكرر الذبح حسب تكرر الرؤيا أو للمشاكلة ؛ ومن نظر بعد ظهر له غير ذلك .

{ فانظر مَاذَا ترى } من الرأي ؛ وإنما شاوره في ذلك وهو حتم ليعلم ما عنده فيما نزل من بلاء الله عز وجل فيثبت قدمه إن جزع ويأمن عليه إن سلم وليوطن نفسه عليه فيهون عليه ويكتسب المثوبة بالانقياد لأمر الله تعالى قبل نزوله وليكون سنة في المشاورة ، فقد قيل : لو شاور آدم الملائكة في أكله من الشجرة لما فرط منه ذلك ، وقرأ حمزة . والكسائي { مَاذَا ترى } بضم التاء وكسر الراء خالصة أي ما الذي تريني إياه من الصبر وغيره أو أي شيء تريني على أن ما مبتدأ وذا موصول خبره ومفعولي ترى محذوفان أو ماذا كالشيء الواحد مفعول ثان لترى والمفعول الأول محذوف ، وقرئ { مَاذَا ترى } بضم التاء وفتح الراء على البناء للمفعول أي ماذا تريك نفسك من الرأي ، و { أَنظُرْ } في جميع القراءات معلقة عن العمل وفي { مَاذَا } الاحتمالان فلا تغفل .

{ قَالَ يَاءادَمُ * ياأبت افعل مَا تُؤمَرُ } أي الذي تؤمر به فحذف الجار والمجرور دفعة أو حذف الجار أولاً فعدى الفعل بنفسه نحو أمرتك الخير ثم حذف المجرور بعد أن صار منصوباً ثانياً ، والحذف الأول شائع مع الأمر حتى كاد يعد متعدياً بنفسه فكأنه لم يجتمع حذفان أو افعل أمرك على أن ما مصدرية والمرادب المصدر الحاصل بالمصدر أي المأمور به ، ولا فرق في جواز إرادة ذلك من المصدر بين أن يكون صريحاً وأن يكون مسبوكاً .

وإضافته إلى ضمير إبراهيم إضافة إلى المفعول ولا يخفى بعد هذا الوجه ، وهذا الكلام يقتضي تقدم الأمر وهو غير مذكور فإما أن يكون فهم من كلامه عليه السلام أنه رأى أنه يذبحه مأموراً أو علم أن رؤيا الأنبياء حق وأن مثل ذلك لا يقدمون عليه إلا بأمر ، وصيغة المضارع للإيذان بغرابة ذلك مثلها في كلام إبراهيم على وجه وفيه إشارة إلى أن ما قاله لم يكن إلا عن حلم غير مشوب بجهل بحال المأمور به ، وقيل : للدلالة على أن الأمر متعلق به متوجه إليه مستمر إلى حين الامتثال به ، وقيل : لتكرر الرؤيا ، وقيل : جىء بها لأنه لم يكن بعد أمر وإنما كانت رؤيا الذبح فأخبره بها فعلم لعلمه بمقام أبيه وأنه ممن لا يجد الشيطان سبيلاً بإلقاء الخيالات الباطلة إليه في المنام أنه سيكون ذلك ولا يكون إلا بأمر إلهي فقال له افعل ما تؤمر بعد من الذبح الذي رأيته في منامك ، ولما كان خطاب الأب { أَوْ بَنِى } على سبيل الترجم قال هو { *يا أبت } على سبيل التوقير والتعظيم ومع ذلك أتى بجواب حكيم لأنه فوض الأمر حيث استشاره فأجاب بأنه ليس مجازها وإنما الواجب إمضاء الأمر .

{ سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللَّهُ مِنَ * الصابرين } على قضاء الله تعالى ذبحاً كان أو غيره ، وقيل : على الذبح والأول أولى للعموم ويدخل الذبح دخولاً أولياً ، وفي قوله : { مّنَ الصابرين } دون صابراً وإن كانت رؤوس الآي تقتضي ذلك من التواضع ما فيه ، قيل ولعله وفق للصبر ببركته مع بركة الاستثناء وموسى عليه السلام لما لم يسلك هذا المسلك من التواضع في قوله : { سَتَجِدُنِى إِن شَاء الله صَابِرًا } [ الكهف : 69 ] حيث لم ينظم نفسه الكريمة في سلك الصابرين بل أخرج الكلام على وجه لا يشعر بوجود صابر سواه لم يتيسر له الصبر مع أنه لم يهمل أمر الاستثناء . وفيه أيضاً إغراء لأبيه عليه السلام على الصبر لما يعلم من شفقته عليه مع عظم البلاء حيث أشار إلى أن لله تعالى عباداً صابرين وهي زهرة ربيع لا تتحمل الفرك .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَـٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (102)

قوله تعالى :{ فلما بلغ معه السعي } قال ابن عباس وقتادة : يعني المشي معه إلى الجبل . وقال مجاهد عن ابن عباس : لما شب حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم ، والمعنى : بلغ أن يتصرف معه ويعينه في عمله . قال الكلبي : يعني العمل لله تعالى ، وهو قول الحسن و مقاتل بن حيان و ابن زيد ، قالوا : هو العبادة لله تعالى . واختلفوا في سنه ، قيل : كان ابن ثلاث عشرة سنة . وقيل : كان ابن سبع سنين . قوله تعالى : { قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك } واختلف العلماء من المسلمين في هذا الغلام الذي أمر إبراهيم بذبحه بعد اتفاق أهل الكتابين على أنه إسحاق ، فقال قوم : هو إسحاق وإليه ذهب من الصحابة : عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، ومن التابعين وأتباعهم : كعب الأحبار ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، ومسروق ، وعكرمة ، وعطاء ، ومقاتل ، والزهري ، والسدي ، وهي رواية عكرمة و سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قالوا : وكانت هذه القصة بالشام . وروي عن سعيد بن جبير قال : أري إبراهيم ذبح إسحاق في المنام ، فسار به مسيرة شهر في غداة واحدة حتى أتى به المنحر بمنى ، فلما أمره الله تعالى بذبح الكبش ، ذبحه وسار به مسيرة شهر في روحة واحدة وطويت له الأودية والجبال . وقال آخرون : هو إسماعيل ، وإليه ذهب عبد الله بن عمر ، وهو قول سعيد بن المسيب ، و الشعبي ، والحسن البصري ، ومجاهد ، و الربيع بن أنس ، ومحمد بن كعب القرظي ، والكلبي ، وهي رواية عطاء بن أبي رباح ، ويوسف بن ماهك عن ابن عباس ، قال : المفدي إسماعيل . وكلا القولين يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن ذهب إلى أن الذبيح إسحاق احتج من القرآن بقوله : { فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي } أمر بذبح من بشر به ، وليس في القرآن أنه بشر بولد سوى إسحاق ، كما قال في سورة هود : { فبشرناها بإسحاق }ومن ذهب إلى أنه إسماعيل احتج بأن الله تعالى ذكر البشارة بإسحاق بعد الفراغ من قصة المذبوح فقال : { وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين } دل على أن المذبوح غيره ، وأيضاً قال الله تعالى في سورة هود : { فبشرناها بإسحاق }ومن وراء إسحاق يعقوب ، فكما بشر بإسحاق بشره بابنه يعقوب ، فكيف يأمره بذبح إسحاق وقد وعده بنافلة منه . قال القرظي : سأل عمر بن عبد العزيز رجلاً كان من علماء اليهود أسلم وحسن إسلامه : أي ابني إبراهيم أمر بذبحه ؟ فقال : إسماعيل ، ثم قال : يا أمير المؤمنين إن اليهود لتعلم ذلك ، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان أمر الله تعالى بذبحه ، ويزعمون أنه إسحاق بن إبراهيم . ومن الدليل عليه : أن قرني الكبش كانا منوطين بالكعبة في أيدي بني إسماعيل إلى أن احترق البيت واحترق القرنان في أيام ابن الزبير والحجاج . قال الشعبي : رأيت قرني الكبش منوطين بالكعبة . وعن ابن عباس قال : والذي نفسي بيده لقد كان أول الإسلام وإن رأس الكبش لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة ، قد وحش ، يعني يبس . قال الأصمعي : سألت أبا عمرو بن العلاء من الذبيح إسحاق كان أو إسماعيل ؟ فقال : يا اصميع أين ذهب عقلك متى كان إسحاق بمكة ؟ إنما كان إسماعيل بمكة ، وهو الذي بنى البيت مع أبيه . وأما قصة الذبح قال السدي : لما دعا إبراهيم فقال : رب هب لي من الصالحين ، وبشر به ، قال : هو إذاً لله ذبيح ، فلما ولد وبلغ معه السعي قيل له : أوف بنذرك ، هذا هو السبب في أمر الله تعالى إياه بذبح ابنه ، فقال عند ذلك ، لإسحاق : انطلق نقرب قرباناً لله تعالى فأخذ سكيناً وحبلاً وانطلق معه حتى ذهب به بين الجبال ، فقال له الغلام : يا أبت أين قربانك ؟ فقال : يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك . { فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر } . وقال محمد بن إسحاق : كان إبراهيم إذا زار هاجر وإسماعيل حمل على البراق فيغدو من الشام فيقيل بمكة ، ويروح من مكة فيبيت عند أهله بالشام ، حتى إذا بلغ إسماعيل معه السعي ، وأخذ بنفسه ورجاه لما كان يأمل فيه من عبادة قربه ، وتعظيم حرماته ، أمر في المنام أن يذبحه ، وذلك أنه رأى ليلة التروية كأن قائلاً يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا ، فلما أصبح تروى في نفسه أي : فكر من الصباح إلى الرواح ، أمن الله هذا الحكم أم من الشيطان ؟ فمن ثم سمي يوم التروية فلما أمسى رأى في المنام ثانياً ، فلما أصبح عرف أن ذلك من الله عز وجل ، فمن ثم سمي يوم عرفة . قال مقاتل : رأى ذلك إبراهيم ثلاث ليال متواليات ، فلما تيقن ذلك أخبر به ابنه ، فقال : { يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى } . قرأ حمزة و الكسائي : ترى بضم التاء وكسر الراء ماذا تشير ؟ وإنما أمره ليعلم صبره على أمر الله تعالى ، وعزيمته على طاعته . وقرأ العامة بفتح التاء والراء إلا أبا عمرو فإنه يميل الراء . قال له ابنه : { يا أبت افعل ما تؤمر } وقال ابن إسحاق وغيره : فلما أمر إبراهيم بذلك قال لابنه : يا بني خذ الحبل والمدية ننطلق إلى هذا الشعب نحتطب ، فلما خلا إبراهيم بابنه في شعب ثبير أخبره بما أمر . { قال : يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين }