تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَـٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (102)

الآية 102 وقوله تعالى : { فلما بلغ معه السعي } أي بلغ بحيث يقدر أن يسعى معه إلى حيث أُمر أن يسعى ، ويمشي معه ، وهي الهجرة .

وقال بعضهم : { فلما بلغ معه السعي } أي بلغ بحيث يعمل ، ويمتحن .

[ وقوله تعالى ]{[17853]} : { قال يا بُنيّ إني أرى في المنام أني أذبحك } وقد عرف حُرمة ذبح بني آدم { فانظر ماذا ترى } وقرئ بالنصب والرفع جميعا{[17854]} ، فيه دلالة أن رؤيا الأنبياء والرسل عليهم السلام على حق تخرج كالأمر المصرّح .

ألا ترى أنه لما قال له : { إني أرى في المنام إني أذبحك } وقد عرف حرمة ذبح بني آدم وقتلهم قال له ولده { افعل ما تُؤمر } ولو لم يكن أمرا لم يقل : { افعل ما تُؤمر } ولا قال له إبراهيم : { إني أرى في المنام أني أذبحك } وقد عرف حرمة ذبح بني آدم وقتلهم الذي لا يسع الإقدام عليه والعمل به ، والله أعلم .

ثم قوله لأبيه : { افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين } دلالة أن لا كل مأمور بأمر من الله ، شاء الله أن يفعل ما أمره حين{[17855]} أخبر { ستجدني إن شاء الله من الصابرين } .

وقد ذكرنا أن إبراهيم عليه السلام كان مأمورا بالذبح . فإذا أُمر هو بالذبح أُمر هذا أن يصبر على الذبح ، ولا يجزع . ثم أخبر أنه يصبر إن شاء الله . دل أن لا كل مأمور لله بأمر ، شاء منه أن يفعل ذلك [ ولكن شاء أن يفعل ذلك ]{[17856]} ممن علم أنه يختار ذلك الفعل /454-ب/ ويفعله ، ومن علم منه أنه لا يفعل ذلك لا يجوز أن يسأل{[17857]} ذلك منه [ وعلى ذلك ]{[17858]} قول موسى عليه السلام : { ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا } [ الكهف : 69 ] .

وهذا على المعتزلة لقولهم : إن الله تعالى إذا أمر أحدا بأمر شاء أن يفعل ما أمره به ، لكنه تركه لما لم يشأ هو ، والله أعلم . وقد بيّنا قولهم في غير موضع ، والله أعلم .


[17853]:في الأصل وم: عندنا.
[17854]:انظر معجم القراءات القرآنية ج5/242.
[17855]:في الأصل وم: حيث.
[17856]:من م، ساقطة من الأصل.
[17857]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: يشاء.
[17858]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل و م: الفعل وكذلك.