{ فلما بلغ معه السعي } ، بين هذه الجملة والتي قبلها محذوف تقديره : فولد له وشب .
{ فلما بلغ } : أي أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه .
وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وابن زيد : والسعى هنا : العمل والعبادة والمعونة .
وقال قتادة : السعي على القدم ، يريد سعياً متمكناً ، وفيه قال الزمخشري : لا يصح تعلقه ببلغ به بلوغهما معاً حد السعي ولا بالسعي ، لأن أصله المصدر لا يتقدم عليه ، فنفى أن يكون بياناً ، كأنه لما قال : { فلما بلغ معه السعي } ، أي الحد الذي يقدر فيه على السعي ، قيل : مع من ؟ فقال : مع أبيه ، والمعنى في اختصاص الأب أنه أرفق الناس وأعطفهم عليه وعلى غيره وبما عنف عليه في الاستسعاء ، فلا يحتمله ، لأنه لم يستحكم قوله ، ولم يطلب عوده ، وكان إذ ذاك ابن ثلاث عشرة سنة .
{ قال يا بني } : نداء شفقة وترحم .
{ إني أرى في المنام إني أذبحك } : أي بأمر من الله ، ويدل عليه : { افعل ما تؤمر } .
ورؤيا الأنبياء وحي كاليقظة ، وذكره له الرؤيا تجسير على احتمال تلك البلية العظيمة .
وشاوره بقوله : { فانظر ماذا ترى } ، وإن كان حتماً من الله ليعلم ما عنده من تلقي هذا الامتحان العظيم ، ويصبره إن جزع ، ويوطن نفسه على ملاقاة هذا البلاء ، وتسكن نفسه لما لا بد منه ، إذ مفاجأة البلاء قبل الشعور به أصعب على النفس ، وكان ما رآه في المنام ولم يكن في اليقظة ، كرؤيا يوسف عليه السلام ، ورؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم دخول المسجد الحرام ، ليدل على أن حالتي الأنبياء يقظة ومناماً سواء في الصدق متظافرتان عليه .
قيل : إنه حين بشرت الملائكة بغلام حليم قال : هو إذن ذبيح الله .
فلما بلغ حد السعي معه قيل له : أوف بنذرك .
قيل : رآى ليلة التروية قائلاً يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا .
فلما أصبح ، روّى في ذلك من الصباح إلى الرواح .
أمن الله هذا الحلم ، فمن ثم سمي يوم التروية .
فلما أمس رأى مثل ذلك ، فعرف أنه من الله ، فمن ثم سمي يوم عرفة .
ثم رأى مثله في الليلة الثالثة ، فهمّ بنحرة ، فسمي يوم النحر .
وقرأ الجمهور : { ترى } ، بفتح التاء والراء ؛ وعبد الله ، والأسود بن يزيد ، وابن وثاب ، وطلحة ، والأعمش ، ومجاهد ، وحمزة ، والكسائي : بضم التاء وكسر الراء ؛ والضحاك ، والأعمش أيضاً بضم التاء وفتح الراء .
فالأول من الرأي ، والثاني ماذا ترينيه وما تبديه لأنظر فيه ؟ والثالث ما الذي يخيل إليك ويوقع في قلبك ؟ وانظر معلقة ، وماذا استفهام .
فإن كانت ذا موصولة بمعنى الذي ، فما مبتدأ ، والفعل بعد ذا صلة .
وإن كانت ذا مركبة ، ففي موضع نصب بالفعل بعدها .
والجملة ، واسم الاستفهام الذي هو معمول للفعل بعده في موضع نصب لانظر .
ولما كان خطاب الأب { يا بنيّ } ، على سبيل الترحم ، قال : هو { يا أبت } ، على سبيل التعظيم والتوقير .
{ افعل ما تؤمر } : أي ما تؤمره ، حذفه وهو منصوب ، وأصله ما تؤمر به ، فحذف الحرف ، واتصل الضمير منصوباً ، فجاز حذفه لوجود شرائط الحذف فيه .
وقال الزمخشري : أو أمرك ، على إضافة الصدر إلى المفعول الذي لم يسم فاعله ، وفي ذلك خلاف ؛ هل يعتقد في المصدر العامل أن يجوز أن يبنى للمفعول ، فيكون ما بعده مفعولاً لم يسم فاعله ، أم يكون ذلك ؟ { ستجدني إن شاء الله من الصابرين } : كلام من أوتي الحلم والصبر والامتثال لأمر الله ، والرضا بما أمر الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.