غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَـٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (102)

83

ثم حكى حديث ذبحه قائلاً { فلما بلغ معه السعي } أي قوي على أن يمشي مع أبيه في حوائجه . والظرف بيان كأنه قال أوّلاً { فلما بلغ السعي } فقيل : مع من ؟ فأجيب مع أبيه . ولا يجوز تعلقه بالسعي لأن صلة المصدر لا تتقدّم عليه ولا بقوله { بلغ } لأنهما لم يبلغا معاً حد السعي - والمعنى في اختصاص الأب إخراج الكلام مخرج الأغلب . وقال جار الله : السبب فيه أن الأب أرفق الناس به وأعطفهم عليه وغيره ربما عنف به في الاستسعاء فلا يحتمله لأنه لم تستحكم قوته . يروى أنه كان يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة وقيل أراد السعي في المنافع وفي طاعة الله .

اعلم أن الناس اختلفوا في الذبيح ، فعن أبي بكر الصديق وابن عباس وابن عمر ومحمد بن كعب وسعيد بن المسيب وعكرمة ومجاهد والضحاك أنه إسماعيل لقوله صلى الله عليه وسلم " أنا ابن الذبيحين " فأحدهما جده إسماعيل والآخر أبوه عبد الله . وذلك أن عبد المطلب نذر إن بلغ بنوه عشرة أن يذبح واحداً منهم تقرباً ، فلما كملوا عشرة أتى بهم البيت وضرب عليهم بالقداح فخرج قدح عبد اتلله فمنعه أخواله ففداه بعشرة من الإبل ، ثم ضرب عليه وعلى الإبل فخرج قدحه ففداه بعشرة أخرى ، وضرب مرة أخرى فخرج قدحه وهكذا يزيد عشرة عشرة إلى أن تمت مائة فخرج القدح على الجزر فنحرها وسن الدية مائة . وفي رواية أن أعرابياً قال للنبي صلى الله عليه وسلم " يا ابن الذبيحين " . فتبسم فسأل عن ذلك فقال : إن عبد المطلب لما حفر بئر زمزم نذر الله لئن سهل الله له أمرها ليذبحن أحد ولده . فخرج السهم على عبد الله فمنعوه ففداه بمائة من الإبل . حجة أخرى : نقل عن الأصمعي أنه قال : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال : يا أصمعي أين عقلك ؟ ومتى كان إسحق بمكة وإنما كان إسماعيل وهو الذي بنى البيت مع أبيه وسن النحر بمكة . وحجة أخرى : وصف إسماعيل بالصبر في قوله { وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين } [ الأنبياء : 85 ] وهو صبره على الذبح في قوله { ستجدني إن شاء الله من الصابرين } ووصفه بصدق الوعد { إنه كان صادق الوعد } [ مريم : 54 ] وذلك أنه وعد أباه الصبر على قضاء الله أو على الذبح فوفى به . أخرى : { ومن وراء إسحق يعقوب } [ هود : 71 ] فيمن قرأ بالنصب لأنه إذا بشر بالولد من صلبه علم أنه لم يؤمر بذبحه .

أخرى : أجمعوا على أن إسماعيل مقدم في الوجود على إسحق فهو المراد بقوله { رب هب لي من الصالحين } ثم إنه ذكر عقيبة قصة الذبح . وأيضا قوله { وبشرناه بإسحق } يجب أن يكون غير قوله { فبشرناه بغلام حليم } وإلا لزم التكرار . حجة أخرى : أن قرني الكبش كانا ميراثاً لولد إسماعيل عن أبيهم وكانا معلقين بالكعبة إلى أن احترق البيت في أيام ابن الزبير والحجاج . وعن علي وابن مسعود وكعب الأحبار وإليه ذهب أهل الكتاب أن الذبيح إسحق لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي النسب أشرف ؟ فقال : يوسف صديق الله ابن يعقوب إسرائيل الله ابن إسحق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله . وأجابوا عن قوله : { وبشرناه بإسحاق } أنه بشر بغلام أوّلاً ثم بنبوته ثانياً . وأيضا صرح بالمبشر به في قوله { فبشرناه بإسحق } [ هود : 71 ] وفي قوله { وبشرناه بإسحق } فيحمل عليه المبهم في قوله { فبشرناه بغلام } وأيضاً لا نسلم أن البشارة بيعقوب كانت متصلة ببشارة إسحق اعتباراً بقراءة من قرأ { يعقوب }

[ هود : 71 ] بالرفع . وأيضاً أنهم أجمعوا على أن المراد من قوله { إني ذاهب إلى ربي } هو مهاجرته إلى الشام ثم قال { فبشرناه بغلام } فوجب أن يكون الغلام الحليم قد حصل له في الشام وذلك الغلام لم يكن إلا إسحق ، لأن إسماعيل قد نشأ بمكة . وكان الزجاج يقول : الله أعلم أيهما الذبيح . ويتفرع على اختلاف المفسرين في الذبيح اختلافهم في موضع الذبح ، فالذين قالوا إن الذبيح إسماعيل ذهبوا إلى أن الذبح كان بمنى وهذا أقوى ، والذين قالوا إنه إسحق قالوا ن الذبح كان بالشام وخصه بعضهم ببيت المقدس . إذا عرفت هذا الاختلاف فقوله { يا بني إني أرى في المنام } إنما قال بلفظ المستقبل لأنه كان يرى في منامه ثلاث ليال أو لأن رؤيا الأنبياء وحي ثانٍ فذكر تأويل الرؤيا كما يقول الممتحن وقد رأى أنه راكب سفينة : رأيت في المنام أني ناجٍ من هذه المحنة فكأنه قال : إني أرى في المنام ما يوجب أني أذبحك . ويحتمل أن يكون حكاية ما رآه . قال بعض المفسرين : رأى ليلة التروية كأن قائلاً يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا فأصبح يروّي في ذلك أمن الله أو من الشيطان فسمي يوم التروية . فلما أمسى رأى مثل ذلك فعرف أنه من الله فسمي عرفة ، ثم رأى مثله في الثالثة فهمّ بنحره فسمي يوم النحر . وقال بعضهم : حين بشره الملائكة بغلام حليم قال هو إذن ذبيح الله ، فلما ولد وبلغ حد السعي مع أبيه قيل له : أوف بنذرك فانظر ماذا ترى هو من الرأي . ومن قرأه من الإراءة فالمعنى ماذا تبصر من رأيك وتدبيرك . وإنما شاوره في حتم من الله ليثبته إن جزع ويفرح بصبره إن ثبت ولئلا يقع الذبح معافصة من غير إعلام به وبسببه ، وليكون سنة في المشاورة فقد قيل : لو شاور آدم الملائكة في الأكل من الشجرة لما فرط منه ذلك { قال يا أبت افعل ما تؤمر } أي به فحذف الجار كقوله : أمرتك الخير . أي أمرتك بالخير أو أمرك على تسمية المأمور به بالمصدر

/خ83