ثم حكى حديث ذبحه قائلاً { فلما بلغ معه السعي } أي قوي على أن يمشي مع أبيه في حوائجه . والظرف بيان كأنه قال أوّلاً { فلما بلغ السعي } فقيل : مع من ؟ فأجيب مع أبيه . ولا يجوز تعلقه بالسعي لأن صلة المصدر لا تتقدّم عليه ولا بقوله { بلغ } لأنهما لم يبلغا معاً حد السعي - والمعنى في اختصاص الأب إخراج الكلام مخرج الأغلب . وقال جار الله : السبب فيه أن الأب أرفق الناس به وأعطفهم عليه وغيره ربما عنف به في الاستسعاء فلا يحتمله لأنه لم تستحكم قوته . يروى أنه كان يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة وقيل أراد السعي في المنافع وفي طاعة الله .
اعلم أن الناس اختلفوا في الذبيح ، فعن أبي بكر الصديق وابن عباس وابن عمر ومحمد بن كعب وسعيد بن المسيب وعكرمة ومجاهد والضحاك أنه إسماعيل لقوله صلى الله عليه وسلم " أنا ابن الذبيحين " فأحدهما جده إسماعيل والآخر أبوه عبد الله . وذلك أن عبد المطلب نذر إن بلغ بنوه عشرة أن يذبح واحداً منهم تقرباً ، فلما كملوا عشرة أتى بهم البيت وضرب عليهم بالقداح فخرج قدح عبد اتلله فمنعه أخواله ففداه بعشرة من الإبل ، ثم ضرب عليه وعلى الإبل فخرج قدحه ففداه بعشرة أخرى ، وضرب مرة أخرى فخرج قدحه وهكذا يزيد عشرة عشرة إلى أن تمت مائة فخرج القدح على الجزر فنحرها وسن الدية مائة . وفي رواية أن أعرابياً قال للنبي صلى الله عليه وسلم " يا ابن الذبيحين " . فتبسم فسأل عن ذلك فقال : إن عبد المطلب لما حفر بئر زمزم نذر الله لئن سهل الله له أمرها ليذبحن أحد ولده . فخرج السهم على عبد الله فمنعوه ففداه بمائة من الإبل . حجة أخرى : نقل عن الأصمعي أنه قال : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال : يا أصمعي أين عقلك ؟ ومتى كان إسحق بمكة وإنما كان إسماعيل وهو الذي بنى البيت مع أبيه وسن النحر بمكة . وحجة أخرى : وصف إسماعيل بالصبر في قوله { وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين } [ الأنبياء : 85 ] وهو صبره على الذبح في قوله { ستجدني إن شاء الله من الصابرين } ووصفه بصدق الوعد { إنه كان صادق الوعد } [ مريم : 54 ] وذلك أنه وعد أباه الصبر على قضاء الله أو على الذبح فوفى به . أخرى : { ومن وراء إسحق يعقوب } [ هود : 71 ] فيمن قرأ بالنصب لأنه إذا بشر بالولد من صلبه علم أنه لم يؤمر بذبحه .
أخرى : أجمعوا على أن إسماعيل مقدم في الوجود على إسحق فهو المراد بقوله { رب هب لي من الصالحين } ثم إنه ذكر عقيبة قصة الذبح . وأيضا قوله { وبشرناه بإسحق } يجب أن يكون غير قوله { فبشرناه بغلام حليم } وإلا لزم التكرار . حجة أخرى : أن قرني الكبش كانا ميراثاً لولد إسماعيل عن أبيهم وكانا معلقين بالكعبة إلى أن احترق البيت في أيام ابن الزبير والحجاج . وعن علي وابن مسعود وكعب الأحبار وإليه ذهب أهل الكتاب أن الذبيح إسحق لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي النسب أشرف ؟ فقال : يوسف صديق الله ابن يعقوب إسرائيل الله ابن إسحق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله . وأجابوا عن قوله : { وبشرناه بإسحاق } أنه بشر بغلام أوّلاً ثم بنبوته ثانياً . وأيضا صرح بالمبشر به في قوله { فبشرناه بإسحق } [ هود : 71 ] وفي قوله { وبشرناه بإسحق } فيحمل عليه المبهم في قوله { فبشرناه بغلام } وأيضاً لا نسلم أن البشارة بيعقوب كانت متصلة ببشارة إسحق اعتباراً بقراءة من قرأ { يعقوب }
[ هود : 71 ] بالرفع . وأيضاً أنهم أجمعوا على أن المراد من قوله { إني ذاهب إلى ربي } هو مهاجرته إلى الشام ثم قال { فبشرناه بغلام } فوجب أن يكون الغلام الحليم قد حصل له في الشام وذلك الغلام لم يكن إلا إسحق ، لأن إسماعيل قد نشأ بمكة . وكان الزجاج يقول : الله أعلم أيهما الذبيح . ويتفرع على اختلاف المفسرين في الذبيح اختلافهم في موضع الذبح ، فالذين قالوا إن الذبيح إسماعيل ذهبوا إلى أن الذبح كان بمنى وهذا أقوى ، والذين قالوا إنه إسحق قالوا ن الذبح كان بالشام وخصه بعضهم ببيت المقدس . إذا عرفت هذا الاختلاف فقوله { يا بني إني أرى في المنام } إنما قال بلفظ المستقبل لأنه كان يرى في منامه ثلاث ليال أو لأن رؤيا الأنبياء وحي ثانٍ فذكر تأويل الرؤيا كما يقول الممتحن وقد رأى أنه راكب سفينة : رأيت في المنام أني ناجٍ من هذه المحنة فكأنه قال : إني أرى في المنام ما يوجب أني أذبحك . ويحتمل أن يكون حكاية ما رآه . قال بعض المفسرين : رأى ليلة التروية كأن قائلاً يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا فأصبح يروّي في ذلك أمن الله أو من الشيطان فسمي يوم التروية . فلما أمسى رأى مثل ذلك فعرف أنه من الله فسمي عرفة ، ثم رأى مثله في الثالثة فهمّ بنحره فسمي يوم النحر . وقال بعضهم : حين بشره الملائكة بغلام حليم قال هو إذن ذبيح الله ، فلما ولد وبلغ حد السعي مع أبيه قيل له : أوف بنذرك فانظر ماذا ترى هو من الرأي . ومن قرأه من الإراءة فالمعنى ماذا تبصر من رأيك وتدبيرك . وإنما شاوره في حتم من الله ليثبته إن جزع ويفرح بصبره إن ثبت ولئلا يقع الذبح معافصة من غير إعلام به وبسببه ، وليكون سنة في المشاورة فقد قيل : لو شاور آدم الملائكة في الأكل من الشجرة لما فرط منه ذلك { قال يا أبت افعل ما تؤمر } أي به فحذف الجار كقوله : أمرتك الخير . أي أمرتك بالخير أو أمرك على تسمية المأمور به بالمصدر
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.