الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَـٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (102)

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { بلغ معه السعي } قال : العمل .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { فلما بلغ معه السعي } قال : أدرك معه العمل .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { فلما بلغ معه السعي } قال : لما مشى مع أبيه .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه { فلما بلغ معه السعي } قال : لما مشى ، فأسر في نفسه حزناً في قراءة عبد الله { قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك } .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { فلما بلغ معه السعي } قال : لما شب حتى أدرك سعيه ، سعى إبراهيم في العمل { فلما أسلما } قال : سلما ما أمرا به { وتله للجبين } قال : وضع وجهي للأرض . ففعل ، فلما أدخل يده ليذبحه { نودي أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا } فأمسك يده ورفع رأسه ، فرأى الكبش ينحط إليه حتى وقع عليه ، فذبحه .

وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما أراد إبراهيم عليه السلام أن يذبح إسحاق قال لأبيه : إذا ذبحتني فاعتزل لا أضطرب ، فينتضح عليك دمي فشده ، فلما أخذ الشفرة وأراد أن يذبحه ، نودي من خلفه { أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا } .

وأخرج أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن جبريل ذهب بإبراهيم إلى جمرة العقبة ، فعرض له الشيطان ، فرماه بسبع حصيات فساخ ، ثم أتى به الجمرة القصوى ، فعرض له الشيطان ، فرماه بسبع فساخ ، فلما أراد إبراهيم أن يذبح إسحاق عليهما السلام قال لأبيه : يا أبت أوثقني لا أضطرب ، فينتضح عليك دمي إذا ذبحتني فشده ، فلما أخذ الشفرة فأراد أن يذبحه ، نودي من خلفه { أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا } » .

وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه من طريق مجاهد رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما { وإن من شيعته لإِبراهيم } قال : من شيعة نوح على منهاجه وسننه { بلغ معه السعي } شب حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم في العمل { فلما أسلما } سلما ما أمرا به { وتله } وضع وجهه للأرض فقال : لا تذبحني وأنت تنظر ، عسى أن ترحمني فلا تجهز علي ، وإن أجزع فانكص فامتنع منك ، ولكن أربط يدي إلى رقبتي ، ثم ضع وجهي إلى الأرض ، فلما أدخل يده ليذبحه فلم تصل المدية حتى نودي { أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا } فأمسك يده فذلك قوله { وفديناه بذبح عظيم } بكبش { عظيم } متقبل .

وزعم ابن عباس رضي الله عنهما أن الذبيح إسماعيل .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا الأنبياء وحي » .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال : رؤيا الأنبياء وحي . ثم تلا هذه الآية { إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى } .

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال : رؤيا الأنبياء عليهم السلام حق . إذا رأوا شيئاً فعلوه .

وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما أمر إبراهيم عليه السلام بالمناسك عرض له الشيطان عند المسعى ، فسابقه ، فسبقه إبراهيم عليه السلام ، ثم ذهب به جبريل عليه السلام إلى جمرة العقبة ، فعرض له الشيطان ، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى ، فرماه بسبع حصيات { ثم تله للجبين } وعلى إسماعيل عليه السلام قميص أبيض فقال : يا أبت ليس لي ثوب تكفني فيه غيره ، فاخلعه حتى تكفني فيه ، فعالجه ليخلعه ، فنودي من خلفه { أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا } فالتفت فإذا كبش أبيض ، أعين ، أقرن ، فذبحه .

وأخرج ابن جرير والحاكم من طريق عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه قال : المفدى إسماعيل ، وزعمت اليهود أنه إسحاق . وكذبت اليهود .

وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه من طريق الشعبي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الذبيح إسماعيل عليه السلام .

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق مجاهد ويوسف بن ماهك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الذبيح إسماعيل عليه السلام .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق يوسف بن مهران وأبي الطفيل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الذبيح إسماعيل عليه السلام .

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير قالا : الذي أراد إبراهيم عليه السلام ، ذبحه إسماعيل عليه السلام .

وأخرج ابن جرير عن الشعبي ومجاهد والحسن ويوسف بن مهران ومحمد بن كعب القرظي ، مثله .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عمر رضي الله عنهما في قوله { وفديناه بذبح عظيم } قال : إسماعيل ذبح عنه إبراهيم الكبش .

وأخرج ابن جرير والآمدي في مغازيه والخلعي في فوائده والحاكم وابن مردويه بسند ضعيف عن عبد الله بن سعيد الصنابحي قال : حضرنا مجلس معاوية بن أبي سفيان ، فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق أيهما الذبيح ؟ فقال معاوية : سقطتم على الخبير كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه أعرابي فقال : يا رسول الله خلفت الكلأ يابساً ، والماء عابساً ، هلك العيال ، وضاع المال ، فعد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين .

فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه فقال القوم : من الذبيحان يا أمير المؤمنين ؟ قال : إن عبد المطلب لما حفر زمزم ، نذر لله إن سهل حفرها أن ينحر بعض ولده ، فلما فرغ أسهم بينهم وكانوا عشرة ، فخرج السهم على عبد الله ، فأراد ذبحه ، فمنعه أخواله من بني مخزوم وقالوا : ارضِ ربك وافْدِ ابنك . ففداه بمائة ناقة فهو الذبيح ، وإسماعيل الثاني .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والحاكم عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال : إن الذي أمر الله إبراهيم بذبحه من ابنيه إسماعيل ، وإنا لنجد ذلك في كتاب الله ، وذلك إن الله يقول حين فرغ من قصة المذبوح { وبشرناه بإسحاق } وقال { فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب } [ هود : 71 ] بابن ، وابن ابن ، فلم يكن يأمر بذبح إسحاق وله فيه موعود بما وعده ، وما الذي أمر بذبحه إلا إسماعيل .

وأخرج الحاكم بسند فيه الواقدي عن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال سألت خوات بن جبير رضي الله عنه عن ذبيح الله قال : إسماعيل عليه السلام لما بلغ سبع سنين رأى إبراهيم عليه السلام في النوم في منزله بالشام أن يذبحه ، فركب إليه على البراق حتى جاءه ، فوجده عند أمه ، فأخذ بيديه ، ومضى به لما أمر به ، وجاء الشيطان في صورة رجل يعرفه[ ] ، فذبح طرفي حلقه ، فإذا هو نحر في نحاس ، فشحذ الشفرة مرتين أو ثلاثاً بالحجر ولا تحز قال إبراهيم : إن هذا الأمر من الله ، فرفع رأسه ، فإذا هو بوعل واقف بين يديه فقال إبراهيم : قم يا بني قد نزل فداؤك ، فذبحه هناك بمنى .

وأخرج الحاكم بسندٍ فيه الواقدي من طريق عطاء بن يسار رضي الله عنه عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال : الذبيح إسماعيل .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد والحسن رضي الله عنهما قال : الذبيح إسماعيل .

وأخرج عبد بن حميد من طريق الفرزدق الشاعر قال : رأيت أبا هريرة رضي الله عنه يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول : إن الذي أمر بذبحه إسماعيل .

وأخرج ابن إسحق وابن جرير عن محمد بن كعب رضي الله عنه ، أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أرسل إلى رجل كان يهودياً ، فاسلم وحسن إسلامه ، وكان من علمائهم فسأله : أي ابني إبراهيم أمر بذبحه ؟ فقال : إسماعيل والله يا أمير المؤمنين ، وإن اليهود لتعلم بذلك ، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب .

وأخرج البزار وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قال نبي الله داود : يا رب أسمع الناس يقولون رب إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، فاجعلني رابعاً قال : إن إبراهيم ألقي في النار فصبر من أجلي ، وإن إسحاق جاد لي بنفسه ، وإن يعقوب غاب عنه يوسف ، وتلك بلية لم تَنَلكَ » .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في شعب الإِيمان عن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال : قال موسى عليه السلام : يا رب يقولون يا رب إبراهيم وإسحاق ، ويعقوب ، لأي شيء يقولون ذلك ؟ قال : لأن إبراهيم لم يعدل بي شيئاً إلا اختارني عليه ، وإن إسحاق جاد لي بنفسه فهو على ما سواه أجود ، وأما يعقوب فما ابتليت ببلاء إلا ازداد بي حسن الظن .

وأخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن داود سأل ربه مسألة فقال : اجعلني مثل إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، فأوحى الله إليه أني : ابتليت إبراهيم بالنار فصبر ، وابتليت إسحاق بالذبح فصبر ، وابتليت يعقوب فصبر » .

وأخرج الدارقطني في الأفراد والديلمي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الذبيح إسحاق » .

وأخرج ابن مردويه عن بهار وكانت له صحبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إسحاق ذبيح » .

وأخرج عبد بن حميد والطبراني عن أبي الأحوص قال : فاخر أسماء بن خارجة عند ابن مسعود فقال : أنا ابن الأشياخ الكرام فقال ابن مسعود رضي الله عنه : ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ، ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله .

وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : « سئل النبي صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس ؟ قال " يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله " .

وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله خيرني بين أن يغفر لنصف أمتي ، أو شفاعتي ، فاخترت شفاعتي ، ورجوت أن تكون أعم لأمتي ، ولولا الذي سبقني إليه العبد الصالح لعجلت دعوتي ، إن الله لما فرج عن إسحاق كرب الذبح قيل له : يا أبا إسحاق سل تعطه قال : أما والله لا تعجلها قبل نزغات الشيطان ، اللهم من مات لا يشرك بك شيئاً قد أحسن ، فاغفر له » .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن كعب رضي الله عنه . أنه قال لأبي هريرة : ألا أخبرك عن إسحاق ؟ قال : بلى . قال : رأى إبراهيم أن يذبح إسحاق ، قال الشيطان : والله لئن لم أفتن عند هذه آل إبراهيم لا أفتن أحداً منهم أبداً ، فتمثل الشيطان رجلاً يعرفونه ، فاقبل حتى خرج إبراهيم بإسحاق ليذبحه دخل على سارة ، فقال : أين أصبح إبراهيم غادياً بإسحاق ؟ قالت : لبعض حاجته قال : لا والله قالت : فَلِمَ غدا ؟ قال : ليذبحه قالت : لم يكن ليذبح ابنه ! قال : بلى والله قالت سارة : فلم يذبحه ؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك قالت : قد أحسن أن يطيع ربه إن كان أمره بذلك .

فخرج الشيطان ، فأدرك إسحاق وهو يمشي على أثر أبيه قال : أين أصبح أبوك غادياً ؟ قال : لبعض حاجته قال : لا والله بل غدا بك ليذبحك قال : ما كان أبي ليذبحني ، قال : بلى قال : لِمَ ؟ قال : زعم أن الله أمره بذلك قال إسحق : فوالله لئن أمره ليطيعنه .

فتركه الشيطان وأسرع إلى إبراهيم ، فقال أين أصبحت غادياً بابنك ؟ قال : لبعض حاجتي قال : لا والله ما غدوت به إلا لتذبحه . قال : ولِمَ أذبحه ؟ قال : زعمت أن الله أمرك بذلك فقال : والله لئن كان الله أمرني لأفعلن . قال فتركه ويئس أن يطاع ، فلما أخذ إبراهيم إسحاق ليذبحه ، وسلم إسحاق عافاه الله ، وفداه بذبح عظيم . فقال : قم أي بني فإن الله قد عافاك ، فأوحى الله إلى إسحاق : أني قد أعطيتك دعوة استجيب لك فيها قال : فإني أدعوك أن تستجيب لي . أيما عبد لقيك من الأوّلين والآخرين لا يشرك بك شيئاً ، فادخله الجنة .

وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن المنذر عن علي رضي الله عنه قال : الذبيح إسحاق .

وأخرج عبد الرزاق والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : الذبيح إسحاق .

وأخرج عبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال : الذبيح إسحاق .

وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : الذبيح إسحاق .

وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : لما رأى إبراهيم عليه السلام في المنام ذبح إسحاق ، سار به من منزله إلى المنحر بمنى مسيرة شهر في غداة واحدة ، فلما صرف عنه الذبح ، وأمر بذبح الكبش ، ذبحه ثم راح به ، وراحا إلى منزله في عشية واحدة مسيرة شهر طويت له الأودية والجبال .

وأخرج الحاكم بسند فيه الواقدي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أن يذبح إسحاق .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مسروق رضي الله عنه قال : الذبيح إسحاق .

وأخرج ابن عساكر عن نوح بن حبيب قال : سمعت الشافعي يقول كلاماً ما سمعت قط أحسن منه ، سمعته يقول : قال خليل الله إبراهيم لولده في وقت ما قص عليه ما رأى ماذا ترى ؟ أي ماذا تشير به ، ليستخرج بهذه اللفظة منه ذكر التفويض ، والصبر ، والتسليم ، والانقياد لأمر الله ، لا لمواراته لدفع أمر الله تعالى ، { يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين } قال الشافعي رضي الله عنه : والتفويض هو الصبر ، والتسليم هو الصبر ، والانقياد هو ملاك الصبر ، فجمع له الذبيح جميع ما ابتغاه بهذه اللفظة اليسيرة .

وأخرج الخطيب في تالي التلخيص عن فضيل بن عياض قال : أضجعه ووضع الشفرة ، فاقلب جبريل الشفرة ، فقال : يا أبت شدني فإني أخاف أن ينتضح عليك من دمي ، ثم قال : يا أبت حلني فإني أخاف أن تشهد عليَّ الملائكة أني جزعت من أمر الله تعالى . . .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال : أتى إبراهيم في النوم فقيل له : أوف بنذرك الذي نذرت . إن الله رزقك غلاماً من سارة أن تذبحه . فقال : يا إسحاق انطلق فقرب قرباناً إلى الله ، فأخذ سكيناً وحبلاً ثم انطلق به ، حتى إذا ذهب به بين الجبال قال الغلام : يا أبت أين قربانك ؟ { قال : يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى ، قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين } قال له إسحاق : يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب ، وأكفف عني ثيابك حتى لا ينضح عليها من دمي شيء ، فتراه سارة فتحزن ، وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون للموت عليَّ فإذا أتيت سارة ، فاقرأ عليها السلام مني . فأقبل عليه إبراهيم بقلبه وهو يبكي ، وإسحاق يبكي ، ثم إنه جر السكين على حلقه ، فلم تنحر ، وضرب الله على حلق إسحاق صفيحة من نحاس ، فلما رأى ذلك ضرب به على جبينه ، وحز من قفاه . وذلك قول الله { فلما أسلما } يقول : سلما لله الأمر { وتله للجبين } فنودي يا إبراهيم { قد صدقت الرؤيا } بإسحاق ، فالتفت فإذا هو بكبش ، فأخذه وحل عن ابنه ، وأكب عليه يقبله ، وجعل يقول : اليوم يا بني وهبت لي .

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : إن الله لما أمر إبراهيم بذبح ابنه قال له : يا بني خذ الشفرة فقال الشيطان : هذا أوان أصيب حاجتي من آل إبراهيم ، فلقي إبراهيم متشبهاً بصديق له ، فقال له : يا إبراهيم أين تعمد ؟ قال : لحاجة قال : والله ما تذهب إلا لتذبح ابنك من أجل رؤيا رأيتها ، والرؤيا تخطيء وتصيب ، وليس في رؤيا رأيتها ما تذهب إسحاق ، فلما رأى أنه لم يستفد من إبراهيم شيئاً ؛ لقي إسحاق ، فقال : أين تعمد يا إسحاق ؟ قال : لحاجة إبراهيم قال : إن إبراهيم إنما يذهب بك ليذبحك فقال إسحاق : وما شأنه يذبحني ، وهل رأيت أحداً يذبح ابنه ؟ قال : يذبحك لله قال : فإن يذبحني لله أصبر والله لذلك أهل ، فلما رأى أنه لم يستفد من إسحاق شيئاً جاء إلى سارة فقال : أين يذهب إسحاق ؟ قالت : ذهب مع إبراهيم لحاجته فقال : إنما ذهب به ليذبحه فقالت : وهل رأيت أحداً يذبح ابنه ؟ قال : يذبحه لله قالت : فإن ذبحه لله ، فإن إبراهيم وإسحاق لله ، والله لذلك أهل ، فلما رأى أنه لم يستفد منهما شيئاً أتى الجمرة ، فانتفخ حتى سد الوادي ، ومع إبراهيم الملك فقال الملك : ارم يا إبراهيم ، فرمى بسبع حصيات ، يكبر في أثر كل حصاة ، فأفرج له عن الطريق ، ثم انطلق حتى أتى الجمرة الثانية ، فانتفخ حتى سد الوادي فقال له الملك : ارم يا إبراهيم ، فرمى بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة ، فأفرج له عن الطريق ، ثم انطلق حتى أتى الجمرة الثالثة ، فانتفخ حتى سد الوادي عليه فقال له الملك : ارم يا إبراهيم فرمى بسبع حصيات ، يكبر في أثر كل حصاة ، فأفرج له عن الطريق حتى أتى المنحر .

وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إنما سميت تروية ، وعرفة ، لأن إبراهيم عليه السلام أتاه الوحي في منامه : أن يذبح ابنه ، فرأى في نفسه أمن الله هذا ، أم من الشيطان ؟ فأصبح صائماً ، فلما كان ليلة عرفة أتاه الوحي ، فعرف أنه الحق من ربه ، فسميت عرفة .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { فلما أسلما } قال : أسلم هذا نفسه لله ، وأسلم هذا ابنه لله { وتله } أي كبه لفيه .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح رضي الله عنه في قوله { فلما أسلما } قال : اتفقا على أمر واحد { وتله للجبين } قال : أكبه للجبين .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وتله للجبين } قال : أكبه على وجهه .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وتله للجبين } قال : صرعه .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه قال : لما أراد إبراهيم أن يذبح ابنه قال : يا أبتاه خذ بناصيتي ، واجلس بين كتفي حتى لا أؤذيك إذا مسني حر السكين ، ففعل ، فانقلبت السكين قال : ما لك يا أبتاه ؟ قال : انقلبت السكين قال : فاطعن بها طعناً قال : فتثنت قال : ما لك يا أبتاه ؟ قال : تثنت ، فعرف الصدق ، ففداه الله بذبح عظيم ، وهو إسحاق .

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وتله للجبين } قال : ساجداً .

وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح رضي الله عنه قال : لما أن وضع السكين على حلقه ، انقلبت صارت نحاساً .

وأخرج عبد بن حميد عن عثمان بن حاضر قال : لما أراد إبراهيم أن يذبح ابنه إسحاق ترك أمه سارة في مسجد الخيف ، وذهب بإسحاق معه ، فلما بلغ حيث أراد أن يذبحه قال إبراهيم لمن كان معه : استأخروا مني ، وأخذ بيد ابنه إسحاق ، فعزله فقال : يا بني { إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى } قال له إسحاق : يا أبتِ ربي أمرك قال إبراهيم : نعم يا إسحاق . قال إسحاق : { افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ، فلما أسلما } لأمر الله { وتله } قال إسحاق لأبيه : يا أبتِ أوثقني لأطيش بك نودي { يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا } وهبط عليه الكبش من ثبير ، وقد قيل : إنه ارتعى في الجنة أربعين سنة ، فلما كشف عن إسحاق دعا ربه ، ورغب إليه ، وحمده ، وأوحى إليه : أن أدع فإن دعاءك مستجاب ، فقال : اللهم من خرج من الدنيا لا يشرك بك شيئاً فادخله الجنة . قال ابن خاضر : إن إبراهيم كان قال لربه : يا رب أي ولدي أذبح ؟ فأوحى الرب إليه : أحبهما إليك .

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه : أن داود قال : يا رب إن الناس يقولون رب إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، فاجعلني لهم رابعاً . فأوحى الله إليه : أن تلك بلية لم تصل إليك بعد . إن إبراهيم لم يعدل بي شيئاً إلا اختارني ، ووفى بجميع ما أمرته . وإن إسحاق جاد لي بنفسه . وإن يعقوب أخذت خاصته ، غيبته عنه طول الدهر ، فلم ييأس من روحي .

وأخرج سعد بن منصور وابن المنذر عن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال : خرج إبراهيم عليه السلام بابنه إسماعيل وإسحاق عليهما السلام ، فتمثل له الشيطان في صورة رجل ، فقال له : أين تذهب ؟ فقال إبراهيم : عليه السلام : ما لك ولذلك . . . ! اذهب في حاجتي قال : فإنك تزعم أنك تذهب بابنك فتذبحه قال : والله إن كان الله أمرني بذلك أني لحقيق أن أطيع ربي ، ثم ذهب إلى ابنه وهو وراءه يمشي ، فقال له : أين تذهب ؟ قال : اذهب مع أبي فقال : إن أباك يزعم أن الله أمره بذبحك ، فقال له مثل ما قال إبراهيم ، ثم انطلق إبراهيم عليه السلام ، حتى إذا كانوا على جبل قال لابنه { يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين } ويا أبت أوثقني رباطاً ، لا ينتضح عليك من دمي ، فقام إليه إبراهيم بالشفرة ، فبرك عليه ، فجعل ما بين ليته إلى منحره نحاساً لا تحيك فيه الشفرة ، ثم إن إبراهيم التفت وراء ، فإذا هو بالكبش فقال له : أي بني قم فإن الله فداك ، فذبح إبراهيم الكبش ، وترك ابنه ، ثم إن إبراهيم عليه السلام قال : يا بني إن الله قد أعطاك بصبرك اليوم ، فسل ما شئت تعطى قال : فإني أسأل الله أن لا يلقاه له عبد مؤمن به ، يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إلا غفر له وأدخله الجنة .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي رضي الله عنه في قوله { وفديناه بذبح عظيم } قال : كبش أبيض ، أعين ، أقرن ، قد ربط بسمرة في أصل ثبير .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وفديناه بذبح عظيم } قال : كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفاً .

وأخرج البخاري في تاريخه عن علي بن أبي طالب قال : هبط الكبش الذي فدى ابن إبراهيم من هذه الخيبة ، على يسار الجمرة الوسطى .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الصخرة التي بمنى بأصل ثبير ، هي التي ذبح عليها إبراهيم عليه السلام فدى ابنه إسحاق ، هبط عليه من ثبير كبش أعين ، أقرن ، له ثغاء ، وهو الكبش الذي قربه ابن آدم ، فتقبل منه ، وكان مخزوناً في الجنة حتى فدى به إسحاق عليه السلام .

وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والبيهقي في سننه عن امرأة من بني سليم قالت : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة ، فسألت عثمان لما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم قال : « قال إني كنت رأيت قرني الكبش حين دخلت الكعبة ، فنسيت أن آمرك أن تخمرهما فخمرهما فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلين » .

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : فدى الله إسماعيل عليه السلام بكبشين ، أَمْلَحَيْنِ ، أَقْرَنَيْنِ ، أَعْيَنَيْنِ .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه { وفديناه بذبح عظيم } قال : بكبش متقبل .

وأخرج البغوي عن عطاء بن السائب رضي الله عنه قال : كنت قاعداً بالمنحر مع رجل من قريش ، فحدثني القرشي قال : حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : « إن الكبش الذي نزل على إبراهيم في هذا المكان » .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وفديناه بذبح عظيم } قال : خرج عليه كبش من الجنة ، وقد رعاها قبل ذلك أربعين خريفاً ، فأرسل إبراهيم عليه السلام ابنه ، واتبع الكبش ، فأخرجه إلى الجمرة الأولى ، فرماه بسبع حصيات ، فأفلته عنده ، فجاء الجمرة الوسطى ، فأخرجه عندها ، فرماه بسبع حصيات ، ثم أفلته عند الجمرة الكبرى ، فرماه بسبع حصيات ، فأخرجه عندها ، ثم أخذه ، فأتى به المنحر من منى ، فذبحه .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : كان اسم كبش إبراهيم ؛ جرير .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال له رجل : نذرت لأنحرن نفسي فقال ابن عباس رضي الله عنهما { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } [ الأحزاب : 21 ] ثم تلا { وفديناه بذبحٍ عظيم } فأمره بكبش ، فذبحه .

وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : من نذر أن يذبح نفسه فليذبح كبشاً ، ثم تلا { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } .

وأخرج الديلمي عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه « لما فدى الله إسحاق من الذبح ، أتاه جبريل عليه السلام ، فقال : يا إسحاق إنه لم يصبر أحد من الأولين والآخرين [ ] ، يشهد أن لا إله إلا الله فاغفر له . سبقني أخي إسحاق عليه السلام إلى الدعوة » .