روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ} (8)

{ ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم } قيل الخطاب للكفار وحكى ذلك عن الحسن ومقاتل واختاره الطيبي والنعيم عام لكل ما يتلذذ به من مطعم ومشرب ومفرش ومركب وكذا قيل في الخطابات السابقة وقد روي عن ابن عباس أنه صرح بأن الخطاب في { لترون الجحيم } [ التكاثر : 6 ] للمشركين وحملوا الرؤية عليه على رؤية الدخول وحملوا السؤال هنا على سؤال التقريع والتوبيخ لما أنهم لم يشكروا ذلك بالإيمان به عز وجل والسؤال قيل يجوز أن يكون بعد رؤية الجحيم ودخولها كما يسألون كذلك عن أشياء أخر على ما يؤذن به قوله تعالى { كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير } [ الملك : 8 ] وقوله سبحانه { ما سلككم في سقر } [ المدثر : 42 ] وذلك لأنه إذ ذاك أشد إيلاماً وادعى للاعتراف بالتقصير فثم على ظاهرها وأن يكون في موقف الحساب قبل الدخول فتكون ثم للترتيب الذكرى وقيل الخطاب مخصوص بكل من ألهاه دنياه عن دينه والنعيم مخصوص بما شغله عن ذلك لظهور أن الخطاب في { ألهاكم } الخ للمهلين فيكون قرينة على ما ذكر وللنصوص الكثيرة كقوله تعالى { قل من حرم زينة الله } [ الأعراف : 32 ] و { كلوا من الطيبات } [ المؤمنون : 51 ] وهذا أيضاً يحمل السؤال على سؤال التوبيخ ويدخل فيما ذكر الكفار وفسقة المؤمنين وقيل الخطاب عام وكذا السؤال يعم سؤال التوبيخ وغيره والنعيم خاص واختلف فيه على أقوال فاخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن ابن مسعود مرفوعاً هو الأمن والصحة وأخرج البيهقي عن الأمير على كرم الله تعالى وجهه قال النعيم العافية وأخرج ابن مردويه عن أبي الدرداء مرفوعاً أكل خبز البر والنوم في الظل وشرب ماء الفرات مبردا وأخرج ابن جرير عن ثابت البناني مرفوعاً النعيم المسؤول عنه يوم القيامة كسرة تقوته وماء يرويه وثوب يواريه وأخرج الخطيب عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسره قال الخصاف والماء وفلق الكسر وروي عنه وعن جابر أنه ملاذ المأكول والمشروب وقال الحسين بن الفضل هو تخفيف الشرائع وتيسير القرآن ويروى عن جابر الجعفي من الإمامية قال دخلت على الباقر رضي الله تعالى عنه قال ما يقول أرباب التأويل في قوله تعالى لتسئلن يومئذ عن النعيم فقلت يقولون الظل والماء البارد فقال لو أنك ادخلت بيتك أحداً وأقعدته في ظل وسقيته اتمن عليه قلت لا قال فالله تعالى أكرم من أن يطعم عبده ويسقيه ثم يسأله عنه قلت ما تأويله قال النعيم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم أنعم الله تعالى به على أهل العالم فاستنقذهم به من الضلالة أما سمعت قوله تعالى { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً } [ آل عمران : 164 ] ومن رواية العياش من الإمامية أيضاً ان أبا عبد الله رضي الله تعالى عنه قال لأبي حنيفة رضي الله تعالى عنه في الآية ما لنعيم عندك يا نعمان فقال القوت من الطعام والماء البارد فقال أبو عبد الله بئن أوقفك الله تعالى بين يديه حتى يسألك عن كل أكلة أكلتها أو شربة شربتها ليطولن وقوفك بين يديه فقال أبو حنيفة فما النعيم قال نحن أهل البيت النعيم أنعم الله تعالى بنا على العباد وبنا ائتلفوا بعدان كانوا مختلفين وبنا ألف الله تعالى بين قلوبهم وجعلهم إخواناً بعد ان كانوا أعداء وبنا هداهم إلى الإسلام وهو النعمة التي لا تنقطع والله تعالى سائلهم عن حث النعيم الذي أنعم سبحانه به عليهم وهو محمد وعثرته عليه وعليهم الصلاة والسلام وكلا الخبرين لا أرى لهما صحة وفيهما ما ينادي عن عدم صحتهما كما لا يخفى على من ألقى السمع وهو شهيد والحق عموم الخطاب والنعيم بيد أن المؤمن لا يثرب عليه في شيء ناله منه في الدنيا بل يسئل غير مثرب وإنما يثرب على الكافر كما ورد ذلك في حديث رواه الطبراني عن ابن مسعود ويدل على عموم الخطاب ما أخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وآخرون عن أبي هريرة قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فإذا هو بأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فقال ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة قالا الجوع يا رسول الله قال والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما فقوموا فقاموا معه عليه الصلاة والسلام فاتى رجلاً من الأنصار فإذا هو ليس في بيته فلما رأته صلى الله عليه وسلم المرأة قالت مرحباً فقال النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فقال الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني فانطلق فجاء بعذق فيه بسر وتمر فقال كلوا من هذا وأخذ المدية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك والحلوب فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا فلما شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة وفي رواية ابن حبان وابن مردويه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه انطلقوا إلى منزل أبي أيوب الأنصاري فقالت امرأته مرحباً بنبي الله صلى الله عليه وسلم ومن معه فجاء أبو أيوب فقطع عذقاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما أردت أن تقطع لنا هذا ألا جنيت من تمره قال أحببت يا رسول الله إن تأكلوا من تمره وبسره ورطبه ثم ذبح جدياً فشوي نصفه وطبخ نصفه فلما وضع بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من الجدي فجعله في رغيف وقال يا أبا أيوب ابلغ هذا فاطمة رضي الله تعالى عنها فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيام فذهب به أبو أيوب إلى فاطمة رضي الله تعالى عنها فلما أكلوا وشبعوا قال النبي صلى الله عليه وسلم خبز ولحم وتمر وبسر ورطب ودمعت عيناه عليه الصلاة والسلام والذي نفسي بيده ان هذا لهو النعيم الذي تسألون عنه قال الله تعالى ثم لتسألن يوئذ عن النعيم فهذا النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة فكبر ذلك على أصحابه فقال عليه الصلاة والسلام بلى إذا أصبتم مثل هذا فضربتم بأيديكم فقولوا بسم الله فإذا شبعتم فقولوا الحمد لله الذي أشبعنا وأنعم علينا وأفضل فإن هذا كفاف بذاك وليس المراد في هذا الخبر حصر النعيم مطلقاً فيما ذكر بل حصر النعيم بالنسبة إلى ذلك الوقت الذي كانوا فيه جياعاً وكذا فيما يصح من الأخبار التي فيها الاقتصار على شيء أو شيئين أو أكثر فكل ذلك من باب التمثيل ببعض أفراد خصت بالذكر لأمر اقتضاه الحال ويؤيد ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في غير رواية عند ذكر شيء من ذلك هذا من النعيم الذي تسألون عنه بمن التبعيضية وفي التفسير الكبير الحق أن السؤال يعم المؤمن والكافر عن جميع النعم سواء كان ما لا بد منه أولاً لأن كل ما يهب الله تعالى يجب أن يكون مصروفاً إلى طاعته سبحانه لا إلى معصيته عز وجل فيكون السؤال واقعاً عن الكل ويؤكده قوله عليه الصلاة والسلام لا تزول قدما العبد حتى يسأل عن أربع عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم ابلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن علمه ماذا عمل به لأن كل نعيم داخل فيما ذكره عليه الصلاة والسلام ويشكل عليه ما أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد الزهد والديلمي عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ثلاث لا يحاسب بهن العبد ظل خص يستظل به وكسرة يشد بها صلبه وثوب يوارى به عورته » وأجيب بأنه إن صح فالمراد لا يناقش الحساب بهن وقيل المراد ما يضطر العبد إليه من ذلك لحياته فتأمل ورأيت في بعض الكتب أن الطعام الذي يؤكل مع اليتيم لا يسأل عنه وكان ذلك لأن في الأكل معه جبراً لقلبة وإزالة لوحشته فيكون ذلك بمنزلة الشكر فلا يسأل عنه سؤال تقريع وفي القلب من صحة ذلك شيء والله تعالى أعلم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ} (8)

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

القرطبي : قال مالك رحمه الله : إنه صحة البدن ، وطيب النفس ....

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله : { ثُمّ لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ } يقول : ثم ليسألنكم الله عزّ وجلّ عن النعيم الذي كنتم فيه في الدنيا : ماذا عملتم فيه ؟ من أين وصلتم إليه ؟ وفيم أصبتموه ؟ وماذا عملتم به ؟

واختلف أهل التأويل في ذلك النعيم ما هو ؟

فقال بعضهم : هو الأمن والصحة ...

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم لَيُسْئَلُنّ يومئذٍ عما أنعم الله به عليهم مما وهب لهم من السمع والبصر وصحة البدن ...

وقال آخرون : هو العافية ...

وقال آخرون : بل عُنِي بذلك : بعض ما يطعمه الإنسان ، أو يشربه ...

حدثني عليّ بن سهل الرمليّ ، قال : حدثنا الحسن بن بلال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عَمّار بن أبي عمار ، قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : أتانا النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، فأطعمناهم رُطَبا ، وسقيناهم ماء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هَذَا مِنَ النّعِيمِ الّذِي تُسْئَلُونَ عَنْهُ » ...

حدثني الحسن بن عليّ الصّدائي ، قال : حدثنا الوليد بن القاسم ، عن يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : بينما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما جالسان ، إذ جاء النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : «ما أجْلَسَكُما ها هُنا ؟ » قالا : الجوع ، قال : «وَالّذِي بَعَثَنِي بالْحَقّ ما أخْرَجَنِي غَيرُهُ » ، فانطلقوا حتى أتوا بيت رجل من الأنصار ، فاستقبلتهم المرأة ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : «أيْنَ فُلانُ ؟ » فقالت : ذهب يستعذب لنا ماء ، فجاء صاحبهم يحمل قربته ، فقال : مَرْحَبا ، ما زار العِبادَ شَيءٌ أفضلَ من شيء زارني اليوم ، فعلّق قربته بكَرَب نخلة ، وانطلق فجاءهم بعِذْق ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «ألا كُنْتَ اجْتَنَيْتَ ؟ » فقال : أحببت أن تكونوا الذين تختارون على أعينكم ، ثم أخذ الشّفرة ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «إيّاكَ والْحَلُوبَ » ، فذبح لهم يومئذٍ ، فأكلوا ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «لَتُسْئَلُنّ عَنْ هَذَا يَوْمَ القِيامَةِ ، أخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الجُوعُ ، فَلَمْ تَرْجِعُوا حتّى أصَبْتُمْ هَذَا ، فَهَذَا مِنَ النّعِيمِ » ...

حدثني يعقوب بن إبراهيم والحسين بن عليّ الصّدَائي ، قالا : حدثنا شَبَابة بن سوّار ، قال : ثني عبد الله بن العلاء أبو رَزِين الشامي ، قال : حدثنا الضحاك بن عَرْزَم ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ أوّلَ ما يُسْئَلُ عَنْهُ العَبْدُ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ النّعِيمِ أنْ يُقالَ لَهُ : أَلَمْ نُصِحّ لَكَ جِسْمَكَ ، وَتُرْوَ مِنَ الماءِ البارِدِ » ؟...

وقال آخرون : ذلك كلّ ما التذّه الإنسان في الدنيا من شيء ...

والصواب من القول في ذلك : أن يقال : إن الله أخبر أنه سائل هؤلاء القوم عن النعيم ، ولم يخصص في خبره أنه سائلهم عن نوع من النعيم دون نوع ، بل عمّ بالخبر في ذلك عن الجميع ، فهو سائلهم كما قال عن جميع النعيم ، لا عن بعض دون بعض .

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ظاهر هذا يقتضي أن يكون سؤالهم بعد ما دخلوا النار ، لأنه قال : { ثم لتسألن } بعد ما وصف أنهم يدخلون النار ، فبان أنه في ذلك الوقت . فإن كان على ذلك ، فهو في موضع التقرير عندهم أنهم استوجبوا المقت والعقوبة ؛ لأنه كان عندهم أن من أنعم الله عليه بنعمة فلم يشكرها ، استوجب المقت والعقوبة ، فإن الله تعالى يسألهم في ذلك الوقت عن شكر ما أنعم عليهم ، ليقرر عندهم استيجاب العقوبة . ويجوز هذا عند الحساب ؛ لأنه قال : { يومئذ } ولم يقل : قبل ذلك ، أو بعده ؛ بل قال على الإطلاق ، فيعمل به . وإذا احتمل ذلك الوجه إلى المؤمنين والكافرين ، وكان الوجه في سؤال المؤمنين تذكيرا لهم أن أعمالهم ( لم ) تبلغ ما يستوفي بها شكر النعمة التي أنعمها عليهم ، وليعلموا أن الله تعالى تفضل عليهم ، وتجاوز عنهم ، لا أن بلغت إليه حسناتهم ، فاستوجبوا رحمته بها ؛ بل بكرمه وفضله . وإن كان في الكافرين ، فهو تقرير ما استوجبوا من نقمته حين تركوا شكر نعمه . وقوله تعالى : { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } إن كان السؤال للكفرة ، فإنهم يسألون عما تركوا من الإيمان ، وعما أتى إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعن غير ذلك من النعم . وإن كان للمؤمنين فهو في سائر النعم من المأكول والمشروب والملبوس ونحوها ....

جهود ابن عبد البر في التفسير 463 هـ :

روينا عن مجاهد ، أنه قال في قول الله تعالى : { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } ، قال : كل شيء من لذة الدنيا . ( س : 26/328 ) ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

عن اللهو والتنعم الذي شغلكم الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه . فإن قلت : ما النعيم الذي يسأل عنه الإنسان ويعاتب عليه ؟ فما من أحد إلاّ وله نعيم ؟ قلت : هو نعيم من عكف همته على استيفاء اللذات ، ولم يعش إلاّ ليأكل الطيب ، ويلبس اللين ، ويقطع أوقاته باللهو والطرب ، لا يعبأ بالعلم والعمل ، ولا يحمّل نفسه مشاقهما ؛ فأما من تمتع بنعمة الله وأرزاقه التي لم يخلقها إلاّ لعباده ، وتقوّى بها على دراسة العلم والقيام بالعمل ، وكان ناهضاً بالشكر ، فهو من ذاك بمعزل ...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

فيه قولان :

المسألة الأولى : في أن الذي يسأل عن النعيم من هو ؟ فيه قولان : أحدهما : وهو الأظهر أنهم الكفار.....

والقول الثاني : أنه عام في حق المؤمن والكافر واحتجوا بأحاديث ....

واعلم أن الأولى أن يقال : السؤال يعم المؤمن والكافر ، لكن سؤال الكافر توبيخ لأنه ترك الشكر ، وسؤال المؤمن سؤال تشريف لأنه شكر وأطاع .

المسألة الثانية : ذكروا في النعيم المسئول عنه وجوها ... الأولى أنه يجب حمله على جميع النعم ، ويدل عليه وجوه :

( أحدها ) أن الألف واللام يفيدان الاستغراق.

( وثانيها ) : أنه ليس صرف اللفظ إلى البعض أولى من صرفه إلى الباقي لاسيما وقد دل الدليل على أن المطلوب من منافع هذه الدنيا اشتغال العبد بعبودية الله تعالى ...

التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :

قلت : ليس في اللفظ ولا في السنة الصحيحة ، ولا في أدلة العقل ما يقتضي اختصاص الخطاب بالكفار ؛ بل ظاهر اللفظ ، وصريح السنة والاعتبار : يدل على عموم الخطاب لكل من اتصف بإلهاء التكاثر له ، فلا وجه لتخصيص الخطاب ببعض المتصفين بذلك . ويدل على ذلك : قول النبي صلى الله عليه وسلم عند قراءة هذه السورة : «يقول ابن آدم : مالي مالي ، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ؟ أو لبست فأبليت ؟ الحديث » وهو في صحيح مسلم . وقائل ذلك قد يكون مسلما ، وقد يكون كافرا . ويدل عليه أيضا الأحاديث التي تقدمت ، وسؤال الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفهمهم العموم ، حتى قالوا له : «وأي نعيم نسأل عنه ، وإنما هو الأسودان » ، فلو كان الخطاب مختصا بالكفار لبين لهم ذلك . وقال : ما لكم ولها ؟ إنما هي للكفار . فالصحابة فهموا العموم ، والأحاديث صريحة في التعميم ، والذي أنزل عليه القرآن أقرهم على فهم العموم . ...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

لتسألن عنه من أين نلتموه ? وفيم أنفقتموه ? أمن طاعة وفي طاعة ? أم من معصية وفي معصية ? أمن حلال وفي حلال ? أم من حرام وفي حرام ? هل شكرتم ? هل أديتم ? هل شاركتم ? هل استأثرتم ? ( لتسألن )عما تتكاثرون به وتتفاخرون . . فهو عبء تستخفونه في غمرتكم ولهوكم ولكن وراءه ما وراءه من هم ثقيل ! ...

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

هذا تأكيد قوي ؛ لأن الله سبحانه سيتولى سؤال عباده عن كل ما تقلبوا فيه من النعم أثناء حياتهم في الدنيا ...

ختام السورة:

التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :

ولا يخفى أن مثل هذه السورة مع عظم شأنها وشدة تخويفها ، وما تضمنته من تحذير الملهى ، وانطباق معناها على أكثر الخلق يأبى اختصاصها من أولها إلى آخرها بالكفار ، ولا يليق ذلك بها ، ويكفي في ذلك تأمل الأحاديث المرفوعة فيها ، والله أعلم . وتأمل ما في هذا العتاب الموجع لمن استمر على إلهاء التكاثر له مدة حياته كلها ، إلى أن زار القبور ، ولم يستيقظ من نوم الإلهاء ؛ بل أرقد التكاثر قلبه ، فلم يستفق منه إلا وهو في عسكر الأموات . وطابق بين هذا وبين حال أكثر الخلق يتعين لك أن العموم مقصود . وتأمل تعليقه سبحانه الذم والوعيد على مطلق التكاثر من غير تقييد بمتكاثر به ، ليدخل فيه التكاثر بجميع أسباب الدنيا ، على اختلاف أجناسها وأنواعها . وأيضا فان التكاثر تفاعل ، وهو طلب كل من المتكاثرين أن يكثر صاحبه ، فيكون أكثر منه فيما يكاثره به ، والحامل له على ذلك : توهمه أن العزة للكاثر .....فلو حصلت له الكثرة من غير تكاثر لم تضره ، كما كانت الكثرة حاصلة لجماعة من الصحابة ، ولم تضرهم ؛ إذ لم يتكاثروا بها . وكل من كاثر إنسانا في دنياه ، أو جاهه ، أو غير ذلك ، أشغلته مكاثرته عن مكاثرة أهل الآخرة . فالنفوس الشريفة العلوية ذات الهمم العالية إنما تكاثر بما يدوم عليها نفعه ، وتكمل به وتزكو ، وتصير مفلحة . فلا تحب أن يكثرها غيرها في ذلك ، وينافسها في هذه المكاثرة ، ويسابقها إليها . فهذا هو التكاثر الذي هو غاية سعادة العبد . وضده : تكاثر أهل الدنيا بأسباب دنياهم ، فهذا تكاثر مله عن الله والدار الآخرة ، هو صائر إلى غاية القلة ، فعاقبة هذا التكاثر : قل وفقر وحرمان . والتكاثر بأسباب السعادة الأخروية تكاثر لا يزال يذكر بالله وبنعمه ، وعاقبته الكثرة الدائمة التي لا تزول ولا تفنى . وصاحب هذا التكاثر لا يهون عليه أن يرى غيره أفضل منه قولا ، وأحسن منه عملا ، وأغزر علما . وإذا رأى غيره أكثر منه في خصلة من خصال الخير يعجز عن لحاقه فيها كاثره بخصلة أخرى ، هو قادر على المكاثرة بها ، وليس هذا التكاثر مذموما ، ولا قادحا في إخلاص العبد ؛ بل هو حقيقة المنافسة ، واستباق الخيرات . وقد كانت هذه حال الأوس مع الخزرج رضي الله عنهم في تصاولهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومكاثرة بعضهم لبعض في أسباب مرضاته ونصره ، وكذلك كانت حال عمر مع أبى بكر رضي الله عنهما . فلما تبين لعمر مدى سبق أبي بكر رضي الله عنه له قال : «والله لا أسابقك إلى شيء أبدا » . فصل ومن تأمل حسن موقع { كلا } في هذا الموضع ، فإنها تضمنت ردعا لهم ، وزجرا عن التكاثر ، ونفيا وإبطالا لما يؤملونه ، من نفع التكاثر لهم ، وعزتهم وكمالهم به ، فتضمنت اللفظة نهيا ونفيا ، وأخبرهم سبحانه أنهم لا بد أن يعلموا عاقبة تكاثرهم علما بعد علم ، وأنهم لا بد أن يروا دار المكاثرين بالدنيا التي ألهتهم عن الآخرة رؤية بعد رؤية ، وأنه سبحانه لا بد أن يسألهم عن أسباب تكاثرهم : من أين استخرجوها ؟ وفيم صرفوها ؟ فلله ما أعظمها من سورة ، وأجلها وأعظمها فائدة ، وأبلغها موعظة وتحذيرا ، وأشدها ترغيبا في الآخرة ، وتزهيدا في الدنيا ، على غاية اختصارها ، وجزالة ألفاظها ، وحسن نظمها . فتبارك من تكلم بها حقا ، وبلغها رسوله عنه وحيا ... وتأمل كيف جعلهم عند وصولهم إلى غاية كل حي زائرين غير مستوطنين ؛ بل هم مستودعون في المقابر مدة ، وبين أيديهم دار القرار . فإذا كانوا عند وصولهم إلى الغاية زائرين ، فكيف بهم وهم في الطريق في هذه الدار ؟ فهم فيها عابرو سبيل إلى محل الزيارة ، ثم منتقلون من محل الزيارة إلى المستقر . فهنا ثلاثة أمور : عبور السبيل هذه الدنيا ، وغايته زيارة القبور ، وبعدها النقلة إلى دار القرار . ...

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

ولقد احتوت تلقينا جليلا مستمر المدى ، ومتسقا مع التلقينات التي احتوتها السور المماثلة السابقة ، وهو وجوب تنبيه الناس إلى واجباتهم نحو الله ونحو الناس في الحياة الدنيا ، وعدم الاندفاع في الاستكثار من المال والاستغراق في النعيم ، وجعل شهوات الحياة ونعميها قصارى الهم والمطلب . ... روح الآيات تلهم أن التنديد والتنبيه موجهان إلى من تلهيه أمواله وأولاده وشهواته ومتعه عن واجباته نحو ربه ونحو الناس ، ويستغرق في ذلك استغراقا يملك عليه تفكيره ، ويعمي بصيرته ، ويجعله لا يحسب للعواقب حسابا ، ويوهمه بأنه في أمن دائم ، لا إلى أصحاب الأموال والأولاد والمتنعمين إطلاقا إذا ما أدوا حق الله بالإيمان به وعبادته وشكره ، وحق الناس بالبر ، والتزموا القصد والاعتدال .