غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ} (8)

وفي السؤال عن النعيم وجهان : الأول أنه للكفار لما " روي أن أبا بكر لما نزلت الآية قال : يا رسول الله أرأيت أكلة أكلتها معك في بيت أبي الهيثم بن التيهان من خبز شعير ولحم وبسر وماء عذب ، أتكون من النعيم الذي يسأل عنه ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " إنما ذلك للكفار " ، ثم قرأ { وهل نجازي إلا الكفور } [ سبأ :17 ] ولأن الخطاب في أول السورة للذين ألهاهم التكاثر عن الماد ، فناسب أن يكون الخطاب في آخر السورة أيضاً لهم . ويكون الغرض من السؤال التقريع حتى يظهر لهم أن الذي ظنوه سبباً للسعادة هو أعظم أسباب الشقاء لهم . الثاني : العموم لوجوه منها خبر أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة النعيم ، فيقال له : ألم نصحح لك جسمك ؟ ألم نروك من الماء البارد ؟ " ومنها قول محمود بن لبيد : لمَّا نزلت السورة قالوا : يا رسول الله إنما هو الماء والتمر ، وسيوفنا على عواتقنا ، والعدو حاضر ، فعن أي نعيم يسأل ؟ فقال : " أما إنه سيكون " ، وعن أنس لما نزلت الآية قام محتاج فقال : هل علي من النعمة شيء ؟ قال : " الظل والنعلان والماء البارد " . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل به " ، وعن الباقر رضي الله عنه أن النعيم العافية . وعنه أن الله أكرم من أن يطعم عبداً ويسقيه ثم يسأله عنه ، وإنَّما النعيم الذي عنه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما سمعت قوله تعالى : { لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً } [ آل عمران :164 ] وقيل : هو الزائد على الكفاية . وقيل : خمس نعم : شبع البطون ، وبارد الشراب ، ولذة النوم ، وإظلال المساكن ، واعتدال الخلق . وعن ابن مسعود : الأمن والصحة والفراغ . وعن ابن عباس : ملاذ المأكول والمشروب . وقيل : الانتفاع بالحواس السليمة . وعن الحسين بن الفضل : تخفيف الشرائع ، وتيسير القرآن . وقال ابن عمر : الماء البارد . والظاهر العموم ؛ لأجل لام الجنس ، إلا أن سؤال الكافر للتوبيخ ؛ لأنه عصى وكفر ، وسؤال المؤمن للتشريف ؛ فإنه أطاع وشكر . والظاهر أن هذا السؤال في الموقف وهو متقدم على مشاهدة جهنم . ومعنى " ثم " الترتيب في الإخبار ، أي ثم أخبركم أنكم تسألون يوم القيامة عن النعيم . وقيل : هو في النار توبيخاً لهم ، كقوله { كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير } [ الملك :8 ] وقوله

{ ما سلككم } [ المدثر :42 ] ونحوه .

/خ8