ولقد روى بعض المفسرين روايات عديدة في نزول السورة ، منها أنها نزلت في قبيلتين من الأنصار تفاخرتا فيما بينهما بما عندهما من مال ، وما هما فيه من نعيم . ومنها أنها نزلت في فريق من اليهود فخروا على المسلمين بما كان عندهم من مال . ومنها أنها نزلت في حيين من قريش هما بنو مناف وبنو سهم تفاخرا فيما بينهما بما عندهما من مال{[1]} . ولم ترد هذه الروايات في كتب الصحاح . والروايتان الأوليان تقتضيان أن تكون السورة مدنية ، مع أن رواة النزول وجمهور المفسرين يسلكونها في سلك السور المكية المبكرة في النزول . وأسلوبها ومضمونها يحملان على الشك في الروايتين ، وفي رواية تفاخر بني سهم ومناف القرشيين أيضا . ويسوغان الترجيح بأنها مطلقة التوجيه ، عامة الإنذار والتنبيه مثل سور العاديات والعصر والأعلى والليل والفجر الخ .
ولقد احتوت تلقينا جليلا مستمر المدى ، ومتسقا مع التلقينات التي احتوتها السور المماثلة السابقة ، وهو وجوب تنبيه الناس إلى واجباتهم نحو الله ونحو الناس في الحياة الدنيا ، وعدم الاندفاع في الاستكثار من المال والاستغراق في النعيم ، وجعل شهوات الحياة ونعميها قصارى الهم والمطلب .
ولقد رويت بضعة أحاديث نبوية على هامش هذه السورة : منها حديث رواه مسلم والترمذي عن عبد الله بن الشخير قال : ( إنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ { ألهاكم التكاثر } [ 1 ] قال : يقول ابن آدم : مالي مالي . وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت ، أو أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت " {[2]} . وحديث رواه الترمذي عن الزبير بن العوام قال : " لما نزلت { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } [ 8 ] قلت : يا رسول الله ، فأي النعيم نسأل عنه ، وإنما هما الأسودان التمر والماء ؟ قال : أما إنه سيكون " {[3]} . حيث يتسق التلقين النبوي مع ما نوهنا به من التلقين القرآني في هذا الأمر ، كما هو الشأن في كل أمر آخر .
وننبه مع ذلك على ضوء آيات سورة الأعراف [ 31-33 ] التي أوردناها في مناسبة مماثلة في تفسير سورة الأعلى أن روح الآيات تلهم أن التنديد والتنبيه موجهان إلى من تلهيه أمواله وأولاده وشهواته ومتعه عن واجباته نحو ربه ونحو الناس ، ويستغرق في ذلك استغراقا يملك عليه تفكيره ، ويعمي بصيرته ، ويجعله لا يحسب للعواقب حسابا ، ويوهمه بأنه في أمن دائم ، لا إلى أصحاب الأموال والأولاد والمتنعمين إطلاقا إذا ما أدوا حق الله بالإيمان به وعبادته وشكره ، وحق الناس بالبر ، والتزموا القصد والاعتدال . وليس في الأحاديث النبوية ما يتناقض مع ذلك ؛ بل هناك أحاديث ينطوي فيها هذا بصراحة أوردناها في سياق تفسير سورة الفجر فنكتفي بهذا التنبيه دون التكرار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.