التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ} (8)

1

ختام السورة:

ولقد روى بعض المفسرين روايات عديدة في نزول السورة ، منها أنها نزلت في قبيلتين من الأنصار تفاخرتا فيما بينهما بما عندهما من مال ، وما هما فيه من نعيم . ومنها أنها نزلت في فريق من اليهود فخروا على المسلمين بما كان عندهم من مال . ومنها أنها نزلت في حيين من قريش هما بنو مناف وبنو سهم تفاخرا فيما بينهما بما عندهما من مال{[1]} . ولم ترد هذه الروايات في كتب الصحاح . والروايتان الأوليان تقتضيان أن تكون السورة مدنية ، مع أن رواة النزول وجمهور المفسرين يسلكونها في سلك السور المكية المبكرة في النزول . وأسلوبها ومضمونها يحملان على الشك في الروايتين ، وفي رواية تفاخر بني سهم ومناف القرشيين أيضا . ويسوغان الترجيح بأنها مطلقة التوجيه ، عامة الإنذار والتنبيه مثل سور العاديات والعصر والأعلى والليل والفجر الخ .

ولقد احتوت تلقينا جليلا مستمر المدى ، ومتسقا مع التلقينات التي احتوتها السور المماثلة السابقة ، وهو وجوب تنبيه الناس إلى واجباتهم نحو الله ونحو الناس في الحياة الدنيا ، وعدم الاندفاع في الاستكثار من المال والاستغراق في النعيم ، وجعل شهوات الحياة ونعميها قصارى الهم والمطلب .

ولقد رويت بضعة أحاديث نبوية على هامش هذه السورة : منها حديث رواه مسلم والترمذي عن عبد الله بن الشخير قال : ( إنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ { ألهاكم التكاثر } [ 1 ] قال : يقول ابن آدم : مالي مالي . وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت ، أو أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت " {[2]} . وحديث رواه الترمذي عن الزبير بن العوام قال : " لما نزلت { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } [ 8 ] قلت : يا رسول الله ، فأي النعيم نسأل عنه ، وإنما هما الأسودان التمر والماء ؟ قال : أما إنه سيكون " {[3]} . حيث يتسق التلقين النبوي مع ما نوهنا به من التلقين القرآني في هذا الأمر ، كما هو الشأن في كل أمر آخر .

وننبه مع ذلك على ضوء آيات سورة الأعراف [ 31-33 ] التي أوردناها في مناسبة مماثلة في تفسير سورة الأعلى أن روح الآيات تلهم أن التنديد والتنبيه موجهان إلى من تلهيه أمواله وأولاده وشهواته ومتعه عن واجباته نحو ربه ونحو الناس ، ويستغرق في ذلك استغراقا يملك عليه تفكيره ، ويعمي بصيرته ، ويجعله لا يحسب للعواقب حسابا ، ويوهمه بأنه في أمن دائم ، لا إلى أصحاب الأموال والأولاد والمتنعمين إطلاقا إذا ما أدوا حق الله بالإيمان به وعبادته وشكره ، وحق الناس بالبر ، والتزموا القصد والاعتدال . وليس في الأحاديث النبوية ما يتناقض مع ذلك ؛ بل هناك أحاديث ينطوي فيها هذا بصراحة أوردناها في سياق تفسير سورة الفجر فنكتفي بهذا التنبيه دون التكرار .


[1]:التاج جـ 5 ص 382.
[2]:كتب السيد رشيد رضا في تفسيره في صدد هذه النقطة وفي سياق آية مماثلة للآية هنا وهي الآية [128] من سورة الأنعام أكثر من خمس وعشرين صفحة استعرض فيها أقوال من يقول بالتأييد ومن يقول بخلافه وأورد حججهم النقلية والعقلية وانتهى إلى إناطة الأمر إلى حكمة الله ورحمته وعدله.
[3]:التاج جـ 5 ص 173 و 174.