السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ} (8)

{ ثم لتسألنّ } حذف منه نون الرفع لتوالي النونات ، والواو لالتقاء الساكنين { يومئذ } أي : يوم رؤيتها { عن النعيم } وهو ما يلتذ به في الدنيا من الصحة والفراغ والأمن والمطعم والمشرب وغير ذلك ، والمراد بذلك ما يشغله عن الطاعة للقرينة والنصوص الكثيرة كقوله تعالى : { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده } [ الأعراف : 32 ] وقوله تعالى : { كلوا من الطيبات } [ المؤمنون : 51 ] وقال الحسن : لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار ؛ لأنّ أبا بكر رضي الله عنه لما نزلت هذه الآية قال : يا رسول الله ، أرأيت أكلة أكلتها معك في بيت أبي الهيثم من خبز وشعير ولحم وبسر وماء عذب ، أيكون من النعيم الذي يسأل عنه ، فقال صلى الله عليه وسلم :«إنما ذلك للكفار ، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم { وهل نجازي إلا الكفور } [ سبأ : 17 ] » ؛ لأنّ ظاهر الآية يدل على ذلك ؛ لأنّ الكفار ألهاهم التكاثر بالدنيا والتفاخر بلذاتها عن طاعة الله تعالى ، والاشتغال بشكره ، فالله تعالى يسألهم عنها يوم القيامة ، حتى يظهر لهم أن الذي ظنوه لسعادتهم كان من أعظم الأسباب لشقاوتهم . وقيل : السؤال عام في حق المؤمن والكافر ، لقوله صلى الله عليه وسلم :«أوّل ما يسأل العبد يوم القيامة عن النعيم فيقال له : ألم نصحح جسمك ، ألم نروك من الماء البارد ؟ » . وقيل : الزائد على ما لا بدّ منه ، وقيل : غير ذلك . قال الرازي : والأولى على جميع النعم ؛ لأنّ الألف واللام تفيد الاستغراق ، وليس صرف اللفظ على البعض أولى من صرفه إلى الباقي ، فيسأل عنها : هل شكرها أم كفرها .

وإذا قيل : إنّ هذا السؤال للكافر ، فقيل : هو في موقف الحساب ، وقيل : بعد دخول النار ، يقال لهم : إنما حل بكم هذا العذاب لاشتغالكم في الدنيا بالنعيم عن العمل الذي ينجيكم من هذه النار ، ولو صرفتم عمركم إلى طاعة ربكم لكنتم اليوم من أهل النجاة .

ختام السورة:

وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم :«من قرأ ( ألهاكم التكاثر ) لم يحاسبه الله بالنعيم الذي أنعم به عليه في دار الدنيا ، وأعطي من الأجر كأنما قرأ ألف آية » ، حديث موضوع ، إلا آخره ، فرواه الحاكم بلفظ «ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألف آية في كل يوم ، قالوا : ومن يستطيع أن يقرأ ألف آية ؟ قال : أو ما يستطيع أحدكم أن يقرأ ( ألهاكم التكاثر ) » .