لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ} (8)

{ ثم لتسألن يومئذ عن النّعيم } يعني أن كفار مكة كانوا في الدّنيا في الخير والنعمة ، فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه ؛ لأنهم لم يشكروا رب النّعيم حيث عبدوا غيره ، ثم يعذبون على ترك الشكر ، وذلك لأن الكفار لما ألهاهم التكاثر بالدّنيا ، والتّفاخر بلذاتها عن طاعة الله والاشتغال بشكره ، سألهم عن ذلك ، وقيل : إن هذا السّؤال يعم الكافر والمؤمن ، وهو الأولى ، لكن سؤال الكافر توبيخ وتقريع ؛ لأنه ترك شكر ما أنعم الله به عليه ، والمؤمن يسأل سؤال تشريف وتكريم ؛ لأنه شكر ما أنعم الله به عليه ، وأطاع ربه ، فيكون السّؤال في حقه تذكرة بنعم الله عليه . يدل على ذلك ما روي " عن الزّبير قال : لما نزلت { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } قال الزبير : يا رسول الله ، وأي نعيم نسأل عنه ، وإنما هما الأسودان : التّمر والماء ، قال أما إنه سيكون " ، أخرجه الترمذي ، وقال : حديث حسن ، واختلفوا في النعيم الذي يسأل البعد عنه ، فروي عن ابن مسعود رفعه قال : { لتسألن يومئذ عن النّعيم } قال : الأمن والصحة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له : ألم نصح لك جسمك ، ونروك من الماء البارد ؟ " ، أخرجه التّرمذي وقال : حديث غريب . ( م ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر ، فقال صلى الله عليه وسلم : ما أخرجكما من بيوتكما هذه السّاعة ؟ قالا : الجوع يا رسول الله . قال : وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما ، فقوموا ، فقاموا معه ، فأتى رجلاً من الأنصار ، فإذا هو ليس في بيته ، فلما رأته المرأة قالت : مرحباً وأهلاً ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين فلان ؟ قالت : ذهب يستعذب لنا الماء ، إذ جاء الأنصاري ، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ، ثم قال : الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني . قال : فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر ، وتمر ، ورطب ، فقال : كلوا ، وأخذ المدية ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إياك والحلوب ، فذبح لهم شاة ، فأكلوا من الشاة ، ومن ذلك العذق ، وشربوا ، فلما شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر : والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النّعيم يوم القيامة ، أخرجكم من بيوتكم الجوع ، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النّعيم " ، وأخرجه التّرمذي بأطول من هذا ، وفيه " ظل بارد ، ورطب طيب ، وماء بارد " ، وروي عن ابن عباس قال : النّعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار ، يسأل الله العبيد يوم القيامة فيم استعملوها ، وهو أعلم بذلك منهم ، وقيل : يسأل عن الصحة والفراغ والمال . ( خ ) عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " ، وقيل : الذي يسأل العبد عنه هو القدر الزائد على ما يحتاج إليه ، فإنه لا بد لكل أحد من مطعم ، ومشرب ، وملبس ، ومسكن ، وقيل : يسأل عن تخفيف الشرائع ، وتيسير القرآن ، وقيل : عن الإسلام ، فإنه أبر النّعم ، وقيل : يسأل عما أنعم به عليكم ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي أنقذكم به من الضّلال إلى الهدى والنّور ، وامتنَّ به عليكم ، والله أعلم .