{ إِن تَمْسَسْكُمْ } أيها المؤمنون { حَسَنَةٌ } نعمة من ربكم كالألفة واجتماع الكلمة والظفر بالأعداء { تَسُؤْهُمْ } أي تحزنهم وتغظهم { وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ } أي محنة كإصابة العدو منكم واختلاف الكلمة فيما بينكم { يَفْرَحُواْ } أي يبتهجوا { بِهَا } وفي ذلك إشارة إلى تناهي عداوتهم إلى حد الحسد والشماتة ، والمس قيل : مستعار للإصابة فهما هنا بمعنى ، وقد سوى بينهما في غير هذا الموضع كقوله تعالى : { إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ } [ التوبة : 50 ] وقوله سبحانه : { إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً } [ المعارج : 20 ، 21 ] والتعبير هنا بالمسّ مع الحسنة ، وبالإصابة مع السيئة ؛ لمجرد التفنن في التعبير ، وقال بعض المحققين : الأحسن والأنسب بالمقام ما قيل : إنه للدلالة على إفراطهم في السرور والحزن لأن المسّ أقل من الإصابة كما هو الظاهر فإذا ساءهم أقلّ خير نالهم ، فغيره أولى منه ، وإذا فرحوا بأعظم المصائب مما يرثي له الشامت ويرق الحاسد ، فغيره أولى فهم لا ترجى موالاتهم أصلاً فكيف تتخذونهم بطانة ؟ا والقول بأنه لا يبعد أن يقال : إن ذلك إشارة إلى أن ما يصيبهم من الخير بالنسبة إلى لطف الله تعالى معهم خير قليل وما يصيبهم من السيئة بالنسبة لما يقابل به من الأجر الجزيل عظيم ، بعيد كما لا يخفى .
{ وَأَن تَصْبِرُواْ } على أذاهم أو على طاعة الله تعالى ومضض الجهاد في سبيله { وَتَتَّقُواْ } ما حرم عليكم { لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ } أي مكرهم وأصل الكيد المشقة ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب { لاَ يَضركُمْ } بكسر الضاد وجزم الراء على أنه جواب الشرط من ضاره يضيره بمعنى ضره يضره ، وضم الراء في القراءة المشهورة لاتباع ضمة الضاد كما في الأمر المضاعف المضموم العين كمد ، والجزم مقدر ، وجوزوا في مثله الفتح للخفة والكسر لأجل تحريك الساكن ، وقيل : إنه مرفوع بتقدير الفاء وهو تكلف مستغنى عنه { شَيْئاً } نصب على المصدر أي لا يضركم كيدهم شيئاً من الضرر لا كثيراً ولا قليلاً ببركة الصبر والتقوى لكونهما من محاسن الطاعات ومكارم الأخلاق ومن تحلى بذلك كان في كنف الله تعالى وحمايته من أن يضره كيد عدو ، وقيل : لا يضركم كيدهم لأنه أحاط بكم فلكم الأجر الجزيل وإن بطل فهو النعمة الدنيا فأنتم لا تحرمون الحسنى على كلتا الحالتين وفيه بعد .
{ إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ } من الكيد .
وقرأ الحسن وأبو حاتم تعملون بالتاء الفوقانية وهو خطاب للمؤمنين أي ما تعملون من الصبر والتقوى { مُحِيطٌ } علماً أو بالمعنى اللائق بجلاله فيعاقبهم به أو فيثيبكم عليه .
( هذا ومن باب الإشارة ) :{ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ } كآثار تجلي الجمال { تَسُؤْهُمْ } ويحزنوا لها { وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ } أي ما يظنون أنه سيئة كآثار تجلي الجلال { يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ } على ما ابتليتم به وتثبتوا على التوحيد { وَتَتَّقُواْ } الاستعانة بالسوي { لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } لأن الصابر على البلاء المتوكل على الله تعالى المستعين به المعرض عمن سواه ظافر بطلبته غالب على خصمه محفوف محفوظ بعناية الله تعالى ، والمخذول من استعان بغيره وقصده سواه كما قيل :
من استعان بغير الله في طلب *** فإن ( ناصره عجز وخذلان )
{ إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ } من المكايد { مُحِيطٌ } [ آل عمران : 120 ] فيبطلها ويطفىء نارها
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.