ثم بين تعالى تناهي عداوتهم بقوله :
( إن تمسسكم حسنة تسؤكم وان تصبكم سيئة يفرحوا بها وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط120 ) .
( إن تمسسكم حسنة ) بظهوركم على العدو ، ونيلكم الغنيمة ، وخصب معاشكم ، وتتابع الناس في دينكم ( تسؤهم وان تصبكم سيئة ) بإصابة العدو منكم ، أو اختلاف بينكم ، أو جدب أو بلية ( يفرحوا بها ) ولا يعلمون ما لله تعالى في ذلك من الحكمة .
المس أصله باليد ، ثم يسمى كل ما يصل إلى الشيء مسا . والتعبير به في جانب الحسنة ، وبالإصابة في جانب السيئة للتفنن . وقد سوى بينهما في غير هذا الموضع كقوله : ( إن تصبك / حسنة تسؤهم وان تصبك مصيبة ) . وقوله : ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) . وقال : ( إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا ) .
قال ناصر الدين في ( الانتصاف ) : يمكن أن يقال : المس أقل تمكنا من الإصابة ، وكأنه أقل درجاتها ، فكأن الكلام –والله أعلم- إن تصبكم الحسنة أدنى إصابة تسؤهم ويحسدوكم عليها . وان تمكنت الإصابة منكم وانتهى الأمر فيها إلى الحد الذي يرثي الشامت عنده منها ، فهم لا يرثون لكم ولا ينفكون عن حسدهم ، ولا في هذه الحال . بل يفرحون ويسرون . والله أعلم –انتهى-
وهذا من أسرار بلاغة التنزيل . فدل التعبير على إفراطهم في السرور والحزن . فإذا ساءهم أقل خيرنا ، فغيره أولى . وإذا فرحوا بأعظم المصائب مما يرثي له الشامت فهم لا يرجى موالاتهم أصلا . فكيف تتخذونهم بطانة ؟ . قال البقاعي : ولما كان هذا الأمر منكيا غائظا مؤلما داواهم بالإشارة الى النصر بشرط التقوى والصبر فقال : ( وان تصبروا وتتقوا ) أي تصبروا على ما يبتليكم الله به من الشدائد والمحن والمصائب وتثبتوا على الطاعة وتنفوا الاستعانة بهم في أموركم والالتجاء الى ولايتهم ( لا يضركم كيدهم شيئا ) لأن المتوكل على الله الصابر على بلائه ، المستعين به لا بغيره : ظافر في طلبته ، غالب على خصمه ، محفوظ بحسن كلاءة ربه . والمستعين بغيره : مخذول موكول الى نفسه ، محروم عن نصرة ربه . أفاده القاشاني .
/ وقيل : المراد بنفي الضرر عدم المبالاة به ، لأن المتدرب بالاتقاء والصبر يكون قليل الانفعال ، جريئا على الخصم . و ( الكيد ) الاحتيال على إيقاع الغير في مكروه ( ان الله بما يعملون محيط ) قرئ بياء الغيبة ، على معنى أنه عالم بما يعملون في معاداتكم من الكيد فيعاقبهم عليه . وبتاء الخطاب ، أي بما تعملون من الصبر والتقوى فيجازيكم بما أنتم أهله .
قال الرازي : إطلاق لفظ ( المحيط ) على الله مجاز ، لأن المحيط بالشيء هو الذي يحيط به من كل جوانبه ، وذلك من صفات الأجسام ، لكنه تعالى لما كان عالما بكل الأشياء ، قادرا على كل الممكنات ، جاز في مجاز اللغة أنه محيط بها ، ومنه قوله : ( والله من ورائهم محيط ) . –انتهى-
أقول : ما ذكره شبهة جهمية مبناها قياس صفة القديم على الحوادث ، وأخذ خاصتها به ، وهو قياس مع الفارق . والسمعيات تتلقى من عرف المتكلم بالخطاب ، لا من الوضع المحدث . فليس لأحد أن يجعل الألفاظ التي جاءت في القرآن موضوعة لمعاني ، ثم يريد أن يفسر مراد الله تعالى بتلك المعاني . وتتمة هذا البحث تقدمت في تفسير ( الرحمن الرحيم ) من البسملة أول التنزيل الجليل . فارجع إليها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.