روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{مَا يُبَدَّلُ ٱلۡقَوۡلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَا۠ بِظَلَّـٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ} (29)

{ مَا يُبَدَّلُ القول لَدَىَّ } الخ ويكون { بالوعيد } [ ق : 28 ] متعلقاً بمحذوف هو حال من المفعول قدم عليه أو الفاعل أي وقد قدمت إليكم هذا القول ملتبساً بالوعيد مقترناً به أو قدمته إليكم موعداً لكم فلا تطمعوا أن أبدل وعيدي ، والأظهر استئناف هذه الجملة . وفي { لَدَىَّ } على ما قال الإمام وجهان . الأول : أن يكون متعلقاً بالقول أي ما يبدل القول الذي عندي .

الثاني : أن يكون متعلقاً بالفعل قبل أي لا يقع التبديل عندي ، قال : وعلى الأول في القول الذي لديه تعالى وجوه . أحدها : قوله تعالى : { أَلْقِيَا } [ ق : 24 ] أرادوا باعتذارهم أن يبدل ويقول سبحانه : لا تلقيا فرد عليهم .

/ ثانياً : قوله سبحانه لإبليس : { لأملان } الخ . ثالثها : الإيعاد مطلقاً . رابعها : القول السابق يوم خلق العباد هذا سعيد وهذا شقي . وعلى الثاني في معنى الآية وجوه أيضاً . أحدها : لا يكذب لدى فإني عالم علمت من طغى ومن أطغى فلا يفيد قولكم أطغاني شيطاني وقول الشيطان : { رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ } [ ق : 27 ] ثانيها : لو أردتم أن لا أقول : { فألقياه } [ ق : 26 ] كنتم أبدلتم الكفر بالايمان قبل أن تقفوا بين يدي وأما الآن فما يبدل القول لدى . ثالثها : لا يبدل القول الكفر الإيمان لدى فإن الايمان عند اليأس غير مقبول فقولكم : ربنا وإلهنا لا يفيدكم فمن تكلم بكلمة الكفر لا يفيده قوله : ربنا ما أشركنا وقوله : ربنا آمنا . والمشهور أن { لَدَىَّ } متعلق بالفعل على أنا المراد بالقول ما يشمل الوعد والوعيد .

واستدل به بعض من قال بعدم جواز تخلفهما مطلقاً . وأجاب من قال بجواز العفو عن بعض المذنبين بأن ذلك العفو ليس بتبديل فإن دلائل العفو تدل على تخصيص الوعي ، د وقال بعض المحققين : المراد نفي أن يوقع أحد التبديل لديه تعالى أي في علمه سبحانه أو يبدل القول الذي علمه عز وجل ، فإن ما عنده تبارك وتعالى هو ما في نفس الأمر وهو لا يقبل التبديل أصلاً ، وأكثر الوعيدات معلقة بشرط المشيئة على ما يقتضيه الكرم وإن لم يذكر على ما يقتضيه الترهيب ، فمتى حصل العفو لعدم مشيئة التعذيب لم يكن هناك تبديل ما في نفس الأمر فتدبره فإنه دقيق . { وَمَا أَنَاْ بظلام لّلْعَبِيدِ } وارد لتحقيق الحق على أبلغ وجه ، وفيه إشارة إلى أن تعذيب من يعذب من العبيد إنما هو عن استحقاق في نفس الأمر ، وقد تقدم تمام الكلام في هذه الجملة فتذكر .