فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{مَا يُبَدَّلُ ٱلۡقَوۡلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَا۠ بِظَلَّـٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ} (29)

{ مَا يُبَدَّلُ القول لَدَىَّ } أي لا خلف لوعدي ، بل هو كائن لا محالة ، وقد قضيت عليكم بالعذاب فلا تبديل له ، وقيل : هذا القول هو قوله : { مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بالسيئة فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا } [ الأنعام : 160 ] وقيل : هو قوله : { لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ } [ السجدة : 13 ] وقال الفراء ، وابن قتيبة : معنى الآية : أنه ما يكذب عندي بزيادة في القول ، ولا ينقص منه لعلمي بالغيب ، وهو قول الكلبي . واختاره الواحدي ، لأنه قال : { لَدَىَّ } ولم يقل وما يبدل قولي ، والأوّل أولى . وقيل : إن مفعول قدّمت إليكم هو ما يبدّل أي وقد قدّمت إليكم هذا القول ملتبساً بالوعيد ، وهذا بعيد جداً { وَمَا أَنَاْ بظلام لّلْعَبِيدِ } أي لا أعذبهم ظلماً بغير جرم اجترموه ، ولا ذنب أذنبوه . ولما كان نفي الظلام لا يستلزم نفي مجرّد الظلم قيل : إنه هنا بمعنى : الظالم ، كالتَّمار بمعنى الثامر . وقيل : إن صيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب في معرض المبالغة في الظلم . وقيل : صيغة المبالغة لرعاية جمعية العبيد من قولهم فلان ظالم لعبده وظلام لعبيده . وقيل غير ذلك . وقد تقدّم الكلام على هذا في سورة آل عمران ، وفي سورة الحج .

/خ35