السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{مَا يُبَدَّلُ ٱلۡقَوۡلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَا۠ بِظَلَّـٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ} (29)

{ ما يبدّل } أي : يغير بوجه من الوجوه { القول لدّي } أي : الواصل إليكم من حضرتي التي لا يحيط بها أحد من خلقي وعبر بما التي هي للحاضر دون لا التي للمستقبل لأن الأوقات كلها عنده حاضرة { وما أنا } وأكد النفي بقوله تعالى : { بظلام للعبيد } فأعذبهم بغير ظلم .

فإن قيل : الظلام مبالغة في الظلم ويلزم من انتفائه إثبات أصل الظلم فإذا قال القائل هو كذاب يلزم أن يكون كثير الكذب ، ولا يلزم من نفيه نفي أصل الكذب ، لجواز أن يقال ليس بكذاب كثير الكذب لكنه يكذب أحياناً . فقوله تعالى { ما أنا بظلام } لا يفهم منه نفي أصل الظلم وأنّ الله ليس بظالم . أجيب بأربعة أجوبة :

أحدها : أنّ الظلام بمعنى الظالم كالتمار بمعنى التامر فتكون اللام في قوله تعالى { للعبيد } لتحقيق النسبة لأن الفعال حينئذ بمعنى ذي ظلم لقوله تعالى : { لا ظلم اليوم } [ غافر : 17 ] .

ثانيها : قال الزمخشري : إن ذلك أمر تقديري كأنه تعالى يقول لو ظلمت عبدي الضعيف الذي هو محل الرحمة لكان ذلك غاية الظلم وما أنا بذلك فيلزم من نفي كونه ظلاماً نفي كونه ظالماً ويحقق هذا الوجه إظهار لفظ العبيد حيث قال الله تعالى : { وما أنا بظلام للعبيد } أي : في ذلك اليوم الذي أملأ فيه جهنم مع سعتها حتى تصيح وتقول لم يبق فيّ طاقة بهم ولم يبق فيّ موضع لهم فهل من مزيد استفهام استنكار .

ثالثها : أنه لمقابلة الجمع بالجمع والمعنى أنّ ذلك اليوم مع أني ألقي في جهنم عدداً لا حصر له لا أكون بسبب كثرة التعذيب كثير الظلم لأنه تعالى قال : { وما أنا بظلام للعبيد } .