فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مَا يُبَدَّلُ ٱلۡقَوۡلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَا۠ بِظَلَّـٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ} (29)

{ ما يبدل } أي ما يغير { القول لدي } في ذلك أي لا خلف لوعيدي ، بل هو كائن لا محالة ؛ وقد قضيت عليك بالعذاب فلا تبديل له وقيل : هذا القول هو قوله : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها } ، وقيل : هو قوله : { لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } ، وقيل : المراد بالقول هو الوعيد بتخليد الكافر في النار ومجازاة العصاة على حسب استحقاقهم ، وقال الفراء وابن قتيبة : معنى الآية أنه ما يكذب عندي بزيادة في القول ولا ينقص منه لعلمي بالغيب ، وهو قول الكلبي ، واختاره الواحدي لأنه قال : { لدي } ولم يقل : ما يبدل قولي قيل والمعنى لا تطمعوا أني أبدل وعيدي ، والعفو عن بعض المذنبين لبعض الأسباب ليس من التبديل فإن دلائل العفو في حق عصاة المذنبين تدل على تخصيص الوعيد ، ولا تخصيص في حق الكافر فالوعيد على عمومه في حقهم والأول أولى .

{ وما أنا بظلام للعبيد } أي لا أعذبهم ظلما بغير جرم اجترموه ولا ذنب أذنبوه ، وقال ابن عباس في الآية : ما أنا بمعذب من لم يجترم ولما كان نفي الظلام لا يستلزم نفي مجرد الظلم ، قيل : إنه هنا بمعنى الظالم ، كالتمار بمعنى التامر ، وقيل إن صيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب ، في معرض المبالغة في الظلم ، وقيل : صيغة المبالغة لرعاية جمعية العبيد من قولهم فلان ظالم لعبده ، وظالم لعبيده ، وقيل ظلام بمعنى ذي ظلم لقوله : { لا ظلم اليوم } وإذا لم يظلم في هذا اليوم فنفي الظلم عنه في غيره أحرى فلا مفهوم له ، وقيل غير ذلك ، وقد تقدم الكلام على هذا في سورة آل عمران وفي سورة الحج .