الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{بَلِ ٱلۡإِنسَٰنُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ بَصِيرَةٞ} (14)

{ بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } قال عكرمة ومقاتل والكلبي : معناه بل الإنسان على نفسه من نفسه رقبا يرقبونه بعمله ويشهدون عليه به وهي : سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجميع جوارحه وهذه رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس .

قال القبسي : أقام جوارحه مقام نفسه لذلك رأت ويجوز أن يكون تأنيثه للإضافة إلى النفس كما تقول في الكلام : ذهبت بعض أصابعه ، و { بَصِيرَةٌ } مرفوعة بخبر حرف الصفة وهي قوله { عَلَى نَفْسِهِ } ، ويحتمل أن يكون معناه بل الإنسان على نفسه بصيرة ، ثم حذفت حرف الجر كقوله :

{ وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ } [ البقرة : 233 ] أي لأولادكم ، ويصلح أن يكون نعتاً لاسم مؤنث أي بل للإنسان على نفسه عين بصيرة وأنشد الفراء :

كأن على ذي العقل عيناً بصيرة *** بمقعده أو منظر هو ناظره

يحاذر حتّى يحسب الناس كلهم *** من الخوف ولا تخفى عليه سرائره

قال أبو العالية وعطاء : بل الإنسان على نفسه شاهد ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس ، والهاء في { بَصِيرَةٌ } للمبالغة ، وقال الأخفش : هي كقولك فلان عبرة وحجة ، ودليل هذا التأويل قول الله تعالى :

{ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } [ الإسراء : 14 ] وقال ابن تغلب : البصيرة والبينة والشاهد والدليل واحد .