التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَيَسۡخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۘ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ وَٱللَّهُ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (212)

قوله تعالى : ( زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب ) الحياة بما فيها من متاع وزخرف ولذة مقدور لها أن تكون محببة للإنسان ، وأن تكون له باعثا للافتتان والاستحسان . والإنسان من جهته مفطور على حب الخير بكل ما في الخير من معنى أو صورة ، وهو ذو طبيعة غلابة جُبلت على الافتتان بزينة الحياة الدنيا ، سواء في ذلك المال أو النسل أو الشهر أو غير ذلك من ألوان الشهوات ، وهذه حقيقة التركيب المفطور لدى الإنسان ، وما من أحد إلا وقد حُببت إليه الزينة بكل صورها ومظاهرها : وفي ذلك يقول الله في آية أخرى : ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطر المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ) .

أما ذكره الذين كفروا في الآية هنا ؛ فذلك لشدة إقبالهم على الحياة الدنيا وزخرفها وزيتها من غير أن يرعوا في ذلك حلال أو حراما ومن غير أن يعبأوا بشرع أو دين ، فهم يتهافتون على الشهوات بكل أسلوب أو وسيلة ، لا يودعهم عن ذلك تورع أو تقوى حتى ولا حساب من ضمير أو وجدان .

أما المؤمنون فهم يأخذون بحظهم من زينة الحياة الدنيا على نحو ما بينه الله لهم من شرائع وحدود دون مجاوزة أو اعتداء . ومثل هذا الأخذ مباح ومشروع مادام غير متجانف لإثم ولا مقارف لعدوان على حقوق الله أو الناس .

والكافرون وهم يقبلون على الشهوات في تهافت جامح ، فإنهم يسخرون من المؤمنين الفقراء الذين لا يملكون غير القليل من الزاد والمؤونة أو دون ذلك ، إنهم يسخرون منهم لإقلالهم وقلة ما لديهم من متاع .

ثم يبين الله في إخبار صارم أن هؤلاء الكفرة الذين ملكوا الزينة والثراء في هذه الدنيا ، سيأتون يوم القيامة أذلة خزايا وقد غشيتهم كل غواشي العار والمهانة والإحساس بالندم . ولسوف يكون المؤمنون فوقهم سواء في المكان إذ يرتقون إلى أعلى عليين في الجنة ، والكافرون دونهم في النار في أسفل سافلين ، أو في المرتبة العالية حيث الاحتفاء والتكريم للمؤمنين ، والزراية والحقار للكافرين .

قوله : ( والله يرزق من يشاء بغير حساب ) أي أن الله سبحانه وتعالى يفيض بالرزق على من يشاء من عباده من غير عد أو حصر . ويؤيد هذا المعنى ما قاله النبي ( ص ) : " أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرض إقلالا " .

وقيل : إن الله يرزق عباده وليس له في الخلق محاسب يحاسبه على فعله وعلى تصرفه في تقسيم الرزق وإعطائه للناس . والأول أظهر .