قوله تعالى : " وَإِذَا طَلَّقْتُمُ " : شرطٌ ، جوابه " فَأَمْسِكُوهُنَّ " ، وقوله : " فَبَلَغْنَ " عطفٌ على فعل الشرط ، والبلوغ : الوصول إلى الشيء : بلغه يبلغه بلوغاً ؛ قال امرؤ القيس : [ الطويل ]
وَمَجْرٍ كَغُلاَّنِ الأُنَيْعِمِ بالِغٍ *** دِيَارَ العَدُوِّ ذِي زُهَاءٍ وَأَرْكَانِ{[3709]}
ومنه : البلغة ، والبلاغ : اسم لما يتبلَّغ به .
قوله تعالى : " بمعروفٍ " في محلِّ نصبٍ على الحال ، وصاحبها : إمَّا الفاعل أي : مصاحبين للمعروف ، أو المفعول ، أي : مصاحباتٍ للمعروف .
قوله : " ضِرَاراً " فيه وجهان :
أظهرهما : أنه مفعول من أجله ، أي : لأجل الضِّرار .
والثاني : أنه مصدرٌ في موضع الحال ، أي : حال كونكم مضارِّين لهنَّ .
قوله : " لِّتَعْتَدُواْ " هذه لام العلّة ، أي : لا تضارُّوهنَّ على قصد الاعتداء عليهن ، فحينئذٍ تصيرون عصاةً لله تعالى ، وتكونوا معتدين ؛ لقصدكم تلك المعصية .
وأجاز أبو البقاء{[3710]} : أن تكون لام العاقبة ، أي : الصيرورة ، كقوله : { فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [ القصص :8 ] ، وفي متعلقها وجهان :
أحدهما : أنه " لاَ تُمْسِكُوهُنَّ " .
والثاني : أنه المصدرُ ، إنْ قلنا : إنه حالٌ ، وإنْ قُلْنَا : إنه مفعولٌ من أجله ، تعلَّقت به فقط ؛ وتكون علةً للعلة ؛ كما تقول : " ضربتُ ابني ؛ تأديباً ؛ لينتفع " ، فالتأديب علةٌ للضرب ، والانتفاع علةٌ للتأديب ، ولا يجوز أن تتعلَّق - والحالة هذه - ب " لا تُمْسِكُوهُنَّ " .
و " تَعْتَدُوا " منصوبٌ بإضمار " أنْ " وهي وما بعدها في محلِّ جر بهذه اللام ، كما تقدَّم تقريره ، وأصل " تَعْتَدُوا " : تَعْتَدِيُوا ، فأُعِلَّ كنظائره .
قوله : { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ } أدغم أبو الحارث{[3711]} ، عن الكسائي ، اللام في الذال ، إذا كان الفعل مجزوماً كهذه الآية ، وهي في سبعة مواضع في القرآن : { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } [ البقرة :331 ] في موضعين ، { وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ } [ آل عمران :28 ] ، { وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً } [ النساء :30 ] ، { وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتَغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ } [ النساء :114 ] ، { وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } [ الفرقان :68 ] ، { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [ المنافقون :9 ] . وجاز لتقارب مخرجيهما ، واشتراكهما في : الانفتاح ، والاستفال ، والجهر .
وتحرَّز من غير المجزوم نحو : يفعل ذلك . وقد طعن قومٌ على هذه الرواية ، فقالوا : لا تصحُّ عن الكسائي ؛ لأنها تخالف أصوله ، وهذا غير صواب .
هذه الآية نزلت في رجلٍ من الأنصار يدعى : ثابت بن يسارٍ ، طلّق امرأته ، حتى إذا قارب انقضاء عدّتها ، راجعها ، ثمَّ طلَّقها ؛ يقصد مضارَّتها{[3712]} .
فإن قيل : ذكر هذه الآية بعد قوله : { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } [ البقرة :229 ] تكريرٌ لكلامٍ واحدٍ ، في موضوعٍ واحدٍ ، من غير زيادة فائدةٍ ، وهو لا يجوز ؟ !
فالجواب : أمَّا على قول أصحاب أبي حنيفة ، فالسؤال ساقطٌ عنهم ؛ لأنهم حملوا قوله تعالى : { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } [ البقرة :229 ] على أن الجمع بين الطلقات غير مشروعٍ ، وإنَّما المشروع هو التفريق ، فإن تلك الآية في بيان كيفية الجمع والتفريق ، وهذه في بيان كيفية المراجعة .
وأمَّا على قول أصحاب الشافعي ، الذين حملوا تلك الآية على كيفية المراجعة ، فلهم أن يقولوا : إنَّ من ذكر حكماً يتناول صوراً كثيرة وكان إثبات ذلك الحكم في بعض تلك الصور أهمَّ ، أن يعيد بعد ذلك الحكم العامِّ تلك الصورة الخاصَّة مرَّةً أخرى ؛ ليدلَّ ذلك التكرير على أن في تلك الصورة من الاهتمام ، ما ليس في غيرها ، وهاهنا كذلك ؛ لأن قوله : { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } [ البقرة :229 ] فيه بيان أنه لا بدَّ في مدَّة العدَّة من أحد هذين الأمرين ، ومن المعلوم أنَّ رعاية أحد هذين الأمرين عند مشارفة زوال العدة ، أولى بالوجوب من سائر الأوقات التي قبله ؛ لأن أعظم أنواع الإيذاء ، أن يطلقها ، ثم يراجعها مرتين عند آخر الأجل ؛ حتى تبقى في العدة تسعة أشهرٍ ، فلمَّا كان هذا أعظم أنواع المضارة ، حسن إعادة حكم هذه الصورة ، تنبيهاً على أنَّ هذه الصورة أعظم اشتمالاً على المضارة ، وأولى بأن يحترز المكلف عنها .
قال القرطبيُّ{[3713]} : الإمساك بالمعروف ، هو القيام بما يجب لها من حقٍّ على زوجها ؛ وكذلك قال جماعةٌ من العلماء : إنَّ من الإمساك بالمعروف أنَّ الزوج إذا لم يجد ما ينفق على الزوجة ، أن يطلقها ، فإن لم يفعل خرج عن حدِّ المعروف ، فيطلِّق عليه الحاكم من أجل الضرر اللاَّحق بها ؛ لأن في بقائها عند من لا يقدر على نفقتها ، ضرراً ، والجوع لا يصبر أحدٌ عليه ، وبهذا قال مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو عبيدة ، وأبو ثور ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وهو قول عمر ، وعلي ، وأبي هريرة .
وقال سعيد بن المسيَّب : إنَّ ذلك سنةٌ ، ورواه أبو هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقالت طائفةٌ : لا يفرَّق بينهما ، ويلزمها الصبر عليه ، وتتعلّق النفقة بذمَّته ، بحكم الحاكم ؛ لقوله تعالى : { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ } [ البقرة :280 ] .
وحجَّة الأوَّلين الآية ، وقوله عليه الصَّلاة والسَّلام : " تقول المرأة إمَّا أَنْ تُطْعِمني وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي " رواه البخاري في " صحيحه " {[3714]} .
قوله : { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } إشارةٌ إلى المراجعة ، واختلف العلماء في كيفيتها ؛ فقال الشَّافعيُّ : لما لم يكن النكاح والطلاق إلاَّ بكلامٍ ، لم تكن الرجعة - أيضاً - إلاَّ بكلامٍ .
وقال أبو حنيفة ، والثوري ، وأحمد : تصحُّ بالوطء .
حجة الشافعي : " أنَّ ابن عمر طلَّق زوجته ، وهي حائض ؛ فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : " مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا " {[3715]} فأمره - عليه الصَّلاة والسَّلام - بالمراجعة في تلك الحال . والوطء في زمن الحيض لا يجوز . وقد يجاب عن هذا ؛ بأنَّنا لم نخصَّ الرجعة في الوطء ، بل قد يكون في صورةٍ بالوطءِ ، وفي صورة بالقول .
وحجَّة أبي حنيفة ، قوله تعالى : { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } أمرٌ بمجرد الإمساك ، والوطء إمساكٌ ، فوجب أن يكون كافياً .
فإن قيل : إنه تعالى أثبت حقَّ المراجعة عند بلوغ الأجل ، وبلوغ الأجل وهو عبارةٌ عن انقضاء العدَّة ، لا يثبت حقَّ المراجعة .
الأول : أنَّ المراد مشارفة البلوغ لا نفس البلوغ ؛ كقول الرجل إذا قارب البلد : " قد بلغنا " ، وقول الرجل لصاحبه : " إذا بلغتَ مكَّةَ ، فاغْتَسلْ بِذِي طُوى " يريد مشارفة البلوغ ، لا نفس البلوغ ، وهو من باب مجاز إطلاق اسم الكلِّ على الأَكْثر .
الثاني : الأَجَل اسمٌ للزمان ، فنحمله على الزمان الذي هو آخر زمانٍ يمكن إيقاع الرجعة فيه ، بحيث إذا مات ، لا يبقى بعده إمكان الرجعة على هذا ، فلا حاجة إلى المجاز
فإن قيل : لا فرق بين قوله : { أَمسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } ، وبين قوله : { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً } ؛ لأن الأمر بالشيء نهيٌ عن ضدِّه{[3716]} ، فما فائدة التكرار ؟
فالجواب : الأمر لا يفيد إلاَّ مرةً واحدةً ؛ فلا يتناول كلَّ الأوقات ؛ أمَّا النهيُ فإنه يتناول كلَّ الأوقات ، فلعلَّه يمسكها بالمعروف في الحال ، ولكن في قلبه أن يضارَّها في الزمان المستقبل ، فلما قال : { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً } انْدَفَعَتْ الشبهات ، وزالت الاحتمالات .
و " الضرار " : هو المضارَّةُ ؛ قال تعالى : { وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً } [ التوبة :107 ] ، ومعناه راجعٌ إلى إثارة العداوة ، وإزالة الألفة ، وإيقاع الوحشة ؛ وذكر المفسرون فيه وجوهاً :{[3717]}
أحدها : ما تقدَّم في سَببِ نُزولِ الآيةِ من تطويلِ العِدَّةِ تسعة أشْهُرٍ ، فأكثر .
ثانيها : " الضرارُ " سوء العشرة .
وثالثها : تضييق النفقة ، وكانوا يفعلون في الجاهلية أكثر هذه الأعمال ؛ لكي تختلع المرأة عنه بمالها .
قوله تعالى : { فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } فيه وجوه :
أحدها : ظلم نفسه ؛ بتعريضها للعذاب .
وثانيها : ظلم نفسه ؛ بأن فوَّت عليها منافع الدنيا والدِّين :
أمَّا منافع الدنيا : فإنَّه إذا اشتهر بين الناس بهذه المعاملة القبيحة فلا يرغب أحدٌ في تزويجه ، ولا معاملته .
وأما منافع الدِّين فتضييعه للثواب الحاصل على حسن عشرة الأهل ، والثواب على الانقياد لأحكام الله تعالى .
قوله : { وَلاَ تَتَّخِذُواْ آيَاتِ اللهِ هُزُواً } فيه وجوه :
أحدها : أنَّ من أمر بشيء ، فلم يفعله بعد أن نصَّب نفسه منصب الطائعين ، يقال : إنه استهزأ بذلك الأمر ولعب به ؛ فعلى هذا يكون المراد أنَّ من وصلت إليه هذه التكاليف المتقدمة من العدَّة ، والرَّجعة ، والخلع ، وترك المضارَّة ، ويسأم لأدائها يكون كالمستهزئ بها ، وهذا تهديدٌ عظيمٌ للعصاة من أهل الصلاة ، وغيرهم .
وثانيها : ولا تتسامحوا في تكاليف الله تعالى ، ولا تتهاونوا بها .
وثالثها : قال أبو الدَّرداء : كان الرجل يطلِّق في الجاهلية ، ويقول : " طَلَّقْتُ ، وَأَنَا لاَعِبٌ " ويعتق ، وينكح ، ويقول مثل ذلك ؛ فنزلت هذه الآية ، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : " مَنْ طَلَّقَ ، أَوْ حَرَّرَ ، أَوْ نَكَحَ ، فَزَعَمَ أَنَّهُ لاَعِبٌ فَهو جدٌّ " {[3718]} .
وروى أبو هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ثَلاَثٌ جَدُّهُنَّ جدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جدٌّ ؛ الطَّلاَقُ وَالنِّكَاحُ وَالعتَاقُ " {[3719]} .
ورابعها : قال عطاءٌ : معناه أنَّ المستغفِر من الذنبِ إذا كان مُصرّاً عليه ، أو على غيره ، كان مُسْتهزئاً بآيات الله تعالى{[3720]} .
وقال مالكٌ في " الموطأ " : بلغنا أَنَّ رجُلاً قال لابن عبَّاسٍ : إني طلقتُ امرأَتي مائةَ مَرَّةٍ ، فماذا ترى ؟ فقال ابنُ عبَّاسٍ : طُلِّقَتْ منك بثلاثٍ ؛ وسَبْعٌ وتسعون اتخذت آياتِ الله هُزُواً{[3721]} .
والأَقربُ هو الأَوَّلُ ؛ لأنه تهديد بعد ذكرِ تكاليفَ ، فيكون تهدِيداً عليها ، لا على غيرها . ولمَّا رَغَّبهم في أداءِ التكاليف بالتهديد ، رغبهم - أيضاً - بذكر نعمِهِ عليهم في الدنيا والدين ، فقال : { واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُم } أي : بالإسلام ، وبيان الأَحكام . ويجوز في " عليكم " وجهان :
أحدهما : أن يتعلَّق بنفسِ " النعمة " ، إن أريدَ بها الإِنعامُ ؛ لأنها اسمُ مصدرٍ ؛ كنباتٍ من أَنْبَتَ ، ولا تمنع تاءُ التأنيث من عملِ هذا المصدرِ ؛ لأنه مبنيٌّ عليها كقوله : [ الطويل ]
فَلَوْلاَ رَجَاءُ النَّصْرِ مِنْكَ وَرَهْبَةٌ *** عِقَابَكَ قَدْ كَانُوا لَنَا كَالْمَوَارِدِ{[3722]}
فأعملَ " رهبةٌ " في " عِقَابَكَ " ، وإنما المحذُورُ أن يعمل المصدرُ الذي لاَ يُبنَى عليها ، نحو : ضربٌ وضَرْبَةٌ ، ولذلك اعتذر الناس عن قوله : [ الطويل ]
يُحايي بِهِ الْجَلْدُ الَّذِي هُوَ حَازِمٌ *** بِضَربَةِ كَفَّيْهِ الْمَلاَ وَهْوَ رَاكِبُ{[3723]}
بأنَّ المَلاَ ، وهو السرابُ ، منصوبٌ بفعلٍ مقدَّرٍ لا بضربةٍ .
والثاني : أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ ، على أنه حالٌ من " نِعْمَة " إنْ أريد بها المُنْعَمُ به ، فعلى الأول تكون الجلالةُ في محلِّ رفعٍ ، لأنَّ المصدرَ رافعٌ لها تقديراً ؛ إذ هي فاعلةٌ به ، وعلى الثاني في محلِّ جرٍّ لفظاً وتقديراً .
قوله : { وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ } يجوزُ في " ما " وجهان :
أحدهما : أن تكونَ في محلِّ نصب ؛ عطفاً على " نعمة " ، أي : اذكروا نعمتَه والمُنَزَّل عليكم ، فعلى هذا يكون في قوله : " يَعِظُكُم " حالاً ، وفي صاحبها ثلاثةُ أوجهٍ :
أحدها : أنه الفاعلُ : في " أنزل " وهو اسمُ الله تعالى ، أي : أنزله واعظاً به لكم .
والثاني : أنه " ما " الموصولةُ ، والعاملُ في الحالِ : اذكروا .
والثالث : أنه العائد على " ما " المحذوفُ ، أي : وما أنزلهُ موعوظاً به ، فالعاملُ في الحالِ على هذا القولِ وعلى القولِ الأولِ " أَنْزَلَ " .
والثاني : من وَجْهي " ما " : أَنْ تكونَ في محلِّ رفع بالابتداء ، ويكونَ " يَعِظُكُم " على هذا في محل رفعٍ ؛ خبراً لهذا المبتدإِ ، أي : والمُنَزَّلُ عليكم موعوظٌ به . وأولُ الوَجْهَيْنِ أقوى وأحسنُ .
قوله : " عَلَيْكُمْ " متعلِّقٌ ب " أَنْزَلَ " و " من الكتابِ " متعلِّقٌ بمحذوفٍ ، لأنه حالٌ ، وفي صاحبِهِ وجهان :
أحدهما : أنه " ما " الموصولةُ .
والثاني : أنه عائدُها المحذوفُ ، إذ التقديرُ : أنزله في حالِ كونِهِ من الكتابِ .
و " مِنْ " يجوز أن تكونَ تَبْعِيضِيةً ، وأَنْ تكونَ لبيانِ الجنسِ عند مَنْ يرى ذلك .
والضمير في " به " يعودُ على " ما " الموصولةِ .
والمرادُ من " الكِتابِ " : القرآنُ ، ومن " الحِكْمَةِ " : " السُّنَّةُ " . يَعظُكُمْ بِهِ أي : يخوفكم به ، ثم قال : { وَاتَّقُواْ اللهَ } أي : في أَوَامرِه ، ولا تُخالِفُوه في نواهيه ، { وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .