غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٖۚ وَلَا تُمۡسِكُوهُنَّ ضِرَارٗا لِّتَعۡتَدُواْۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُوٗاۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡحِكۡمَةِ يَعِظُكُم بِهِۦۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (231)

228

ثم إنه تعالى لما بين الأحكام المهمة للطلاق استأنف لحكمي الإمساك والتسريح ببيانين آخرين في آيتين متعاقبتين ، لأن جملة الأمر في الطلاق يؤل إلى أحد هذين : الأول قوله سبحانه { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن } أي آخر عدتهن وشارفن منتهاها . والأجل يقع على المدة كلها وعلى آخرها . يقال لعمر الإنسان أجل ، وللموت الذي ينتهي به أجل ، ويتسع في البلوغ أيضاً يقال : بلغ البلد إذا شارفه وداناه ، ويقول الرجل لصاحبه : إذا بلغت مكة فاغتسل بذي طوى يريد به مشارفة البلوغ . فهذا من باب المجاز الذي يطلق فيه اسم الكل على الأكثر ، ولأنه قد علم أن الإمساك بعد تقضي الأجل لا وجه له لأنها بعد تقضيه غير زوجة له وفي غير عدة منه فلا سبيل له عليها { فأمسكوهن بمعروف } راجعوها من غير توخي ضرار بالمراجعة { أو سرحوهن بمعروف } خلوها حتى تنقضي عدتها ونبين . ولما أمر بعد الطلاق بأحد الأمرين ، استأنف حكم كل منهما فقدم حكم الإمساك على طريقة النهي لا الأمر ، لأن المأمور يمتثل بمرة واحدة فلعله يمسكها بمعروف في الحال لكن في قلبه أن يضارها في الاستقبال ، والمنهي لا يمتثل إلا إذا انتهى في كل الأوقات فيكون أدل على الدوام والثبات فقال : { ولا تمسكوهن ضراراً } مضارة وتشمل موجبات النفرة والعداوة كلها ، وروي أن الرجل كان يطلق المرأة ثم يدعها فإذا قارب انقضاء القرء الثالث راجعها ، وهكذا يفعل بها في العدة تسعة أشهر أو أكثر . وقيل : الضرار سوء العشرة . وقيل : تضييق النفقة وكانوا يفعلون في الجاهلية أكثر هذه الأفعال رجاء أن تختلع المرأة منه بماله . ومعنى قوله { لتعتدوا } أي لا تضاروهن ليكون عاقبة أمركم الاعتداء كقوله

{ فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً } [ القصص : 8 ] أو لا تضاروهن على قصد الاعتداء عليهن فتكونون متعمدين لتلك المعصية . وقيل : لتلجؤهن إلى الافتداء { ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه } بتعريضها لعقاب الله ، أو بتفويته عليها منافع الدنيا والدين . أما الدنيا فلأنه إذا اشتهر بتلك المعاملة لم يرغب في التزويج منه ولا في معاملته أحد ، وأما منافع الدين فالثواب الحاصل على حسن العشرة مع الأهل وعلى الانقياد لأحكام الله تعالى وتكاليفه { ولا تتخذوا آيات الله هزواً } فمن أقربائه يجب طاعة الله وطاعة رسوله ثم وصلت إليه هذه التكاليف المذكورة في أبواب العدة والرجعة والخلع وترك المضارة ولم يتشمر لأدائها كان كالمستهزئ بها . أو المراد لا تتهاونوا بتكاليف الله كما يتهاون بما يكون من باب الهزء والعبث . وعن أبي الدرداء : كان الرجل يطلق في الجاهلية ويعتق ويتزوج ويقول : كنت لاعباً . فنزلت فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : الطلاق والنكاح والرجعة " وروي " الطلاق والعناق والنكاح " وعن عطاء : المعنى أن المستغفر من الذنب إذا كان مصراً عليه أو على مثله كان كالمستهزئ بآيات الله .

ثم إنه تعالى لما رغبهم في أداء التكاليف بما ذكر من التهديد رغبهم أيضاً في أدائها بأن ذكرهم أقسام نعمه عليهم . فبدأ أولاً بذكرها على الإجمال فقال : { واذكروا نعمة الله عليكم } وهذا يتناول كل نعمة لله على العبد في الدنيا والدين وقيل : المراد بها الإسلام ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم خصص نعم الدين بالذكر لشرفها فقال : { وما أنزل عليكم } عطفاً على النعمة { من الكتاب والحكمة } من القرآن والسنة وذكرها مقابلتها بالشكر والقيام بحقها { يعظكم به } في محل النصب حالاً مما أنزل أو من فاعل { أنزل } . ويحتمل أن يكون { ما أنزل } الصلة والموصول مبتدأ ، وقوله { يعظكم به } خبراً { واتقوا الله } في أوامره ونواهيه { واعلموا أن الله بكل شيءٍ عليم } فيه وعد ووعيد وترغيب وترهيب .

/خ232