تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٖۚ وَلَا تُمۡسِكُوهُنَّ ضِرَارٗا لِّتَعۡتَدُواْۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُوٗاۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡحِكۡمَةِ يَعِظُكُم بِهِۦۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (231)

الآية 231 وقوله تعالى : { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف } ، وقال : [ جل وعلا ]{[2734]} { وبعولتهم أحق بردهن } [ البقرة : 228 ] ، ذكر في الآية الأولى الإمساك ، والإمساك المعروف هو إمساكها على ما كان من الملك ، وذكر في الآية الأخيرة الرد ، والرد لا يكون إلا بعد الخروج من الملك . هذا هو الظاهر في الآية ، لكن بعض أهل العلم يقولون : إنه يمسكها على الملك الأول ويردها من الحرمة إلى الحل ، لأن من مذهبهم أن الطلاق يوجب الحرمة ، ولا يخرجها من ملكه ، وهذا جائز أن تحرم المرأة على زوجها ، وهي بعد [ في ]{[2735]} ملكه . فإذا كان كذلك فأمر بالإمساك على الملك الأول وبالرد من الحرمة إلى حال ، وهو قول أهل المدينة ، أي يردها من العدة إلى ما لا عدة ، ويمسكها بلا عدة .

وأما عندنا فهو واحد بحدث الإمساك ، دليله قوله : { ولا تمسكوهن ضرارا } ولو لم يكن الإمساك سوى القصد إليه لكان لم يكن بالقصد إليها مضرا ، وهو في ما أمر بالإمساك بالمعروف ، وفيه وجهان :

أحدهما : هو أن يمسكها [ على ما كان يمسكها ]{[2736]} من قبل من مراعاة الحقوق ومحافظة الحدود .

والثاني{[2737]} : ما قيل ألا تطول عليها [ العدة على ما ]{[2738]} في القصة من تطويل العدة عليها ، وفيه{[2739]} نزلت الآية ، وفيه دلالة أن الزوج يملك جعل الطلاق بائنا بعدما وقع رجعيا لأنه يصير بائنا المراجعة . فعلى ذلك يملك إلحاق الصفة من بعد وقوعه ، فيصير بائنا ، والله أعلم .

وقوله : { ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا } قال الشيخ ، رحمه الله تعالى : ( الأصل عندنا في المناهي أنها لا تدل على فساد العقل ، ولا يستدل بالنهي على الفساد كقوله تعالى { فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله } [ البقرة : 230 ] . وعلى ذلك قوله : { ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا } إنه يصير ممسكا لها ، وإن كان فيه ضرار{[2740]} لها ، وهكذا هذا في كل ما تشبه هذا من قوله : { ومن لم يستطع منكم طولا } [ النساء : 25 ] إنه [ أذن له ]{[2741]} بالفعل في حال ، فهو ، وإن أوجب نهيا في الفعل ، فذلك لا يدل على الفساد في حال أخرى ) .

وقوله : { ولا تتخذوا آيات الله هزوا } معناه ، والله أعلم ، أي لا تعلموا بآيات الله عمل من يخرج فعله بها مخرج فعل الهازئ ، لأنه معقول أن أهل الإيمان والتوحيد لا يتخذون آيات الله هزوا ، ولا يقصدون إلى ذلك . وقيل : إنهم في الجاهلية كانوا يلعبون بالطلاق والعتاق ، ويمسكونهم{[2742]} بعد الطلاق والعتاق على ما كانوا يمسكون قبل الطلاق وقبل العتاق . فنهوا عن ذلك بعد الإسلام والتوحيد .

ثم اختلف في { آيات الله } ، قبل : حجج الله ، وقيل : أحكام [ الله ]{[2743]} ، وقيل : دين الله ، ويحتمل { آيات الله } الآيات المعروفة .

وقوله : { واذكروا نعمت الله عليكم } يحتمل وجوها : تحتمل النعمة ههنا محمدا صلى الله عليه وسلم وهو من أعظم النعم ، [ وتحتمل النعمة الإسلام وشرائعه ]{[2744]} وتحتمل النعمة [ النعم ]{[2745]} التي أنعمها على خلقه والنعمة{[2746]} على ثلاثة أوجه : النعمة بالإسلام تقتضي منه المحافظة ، [ والنعمة الخاصة ]{[2747]} تقتضي الشكر ، والنعم [ العامة ]{[2748]} جملة تقتضي منه التوحيد .

وقوله : { وما أنزل عليكم من الكتاب } وهو القرآن ، ففيه دلالة أن الكتاب [ هو ]{[2749]} منزل ، ليس كما يقول القرامطة ، لأنهم يقولون بان محمدا صلى الله عليه وسلم ألف القرآن ، وإنما كان يوحي إليه ، [ لا ]{[2750]} كما يتوهم الرجل شيئا ، فجعله كلاما .

وقوله : { والحكمة } اختلف فيه ، قيل : [ الحكمة ]{[2751]} والفقه ، وقيل : الحلال و الحرام ، وقيل : الحكمة هي الإصابة إصابة موضع كل شيء [ منه ]{[2752]} ، وقيل : الحكمة والمواعظ ، وقيل : الحكمة القرآن ، وهو من الإحكام والإتقان{[2753]} ، كأنه قال عز وجلا اذكروا ما أعطاكم من الفقه والإصابة والكتاب المحكم والمتقن الذي { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } [ فصلت : 42 ] .

وقوله : { يعظكم به } قيل{[2754]} : القرآن [ { واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم } فيه ]{[2755]} تخويف وتحذير يعلموا أن كل شيء في علمه ، وأنه لا يعزب عنه شيء ، [ وبالله العصمة ]{[2756]} .


[2734]:من ط ع.
[2735]:من ط ع وم.
[2736]:من ط ع.
[2737]:في النسخ الثلاث: ويحتمل.
[2738]:من ط ع وم.
[2739]:قال الطبري في تفسيره: 2/481 وأبو حيان الغرناطي في البحر المحيط 2/488 إنها نزلت في رجل من الأنصار اسمه ثابت بن بشار وقال السيوطي في الدر المنثور 10/ 682 إنه ثابت بن يسار.
[2740]:في النسخ الثلاث: ضرارا.
[2741]:من ط ع وم، في الأصل: أذل.
[2742]:في النسخ الثلاث: ويمسكونهم.
[2743]:من ط ع وم.
[2744]:من ط ع وم.
[2745]:في ط ع: هي، ساقطة من الأصل وم.
[2746]:الواو ساقطة من النسخ الثلاث.
[2747]:من ط ع، في الأصل وم: نعمة الخاص.
[2748]:من ط ع.
[2749]:من ط ع وم.
[2750]:ساقطة من النسخ الثلاث.
[2751]:من ط ع.
[2752]:من ط ع وم.
[2753]:من ط ع وم، في الأصل: الاتفاق.
[2754]:في ط ع: يعني.
[2755]:في ط ع: وفي قوله: {واتقوا الله وعلموا أن الله بكل شيء عليم}.
[2756]:من م، في الأصل: في علمه العصمة، في ط ع: في علمه وبالله العصمة.