تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٖۚ وَلَا تُمۡسِكُوهُنَّ ضِرَارٗا لِّتَعۡتَدُواْۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُوٗاۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡحِكۡمَةِ يَعِظُكُم بِهِۦۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (231)

الإمساك بالمعروف

221

{ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم( 231 ) }

المفردات :

فبلغن أجلهن : أي قاربهن نهاية عدتهن . يقال بلغ البلد إذا وصل إليه ، ويقال أيضا بلغه شارفه ودنا منه . يقول الرجل لصاحبه : إذا بلغت مكة فاغتسل بذي طوي ، يريد دنوت منها ، لأن ذا طوي قلبها . والأجل يطلق على المدة كلها ويطلق على آخر مجازا . " قال الراغب : الأجل : المدة المضروبة للشيء . قال تعالى : ولتبلغوا أجلا مسمى( غافر : 67 ) أي مدة معينة والبلوغ الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى مكانا كان أو زمانا أو أمرا من الأمور المقدرة ، وربما يعبر به عن المشارفة عليه وإن لم ينته إليه ، فمن الانتهاء قوله تعالى : حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة( الأحقاف : 10 ) وأما قوله : فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف( الطلاق : 2 ) فللمشارفة فإنها إذ انتهت إلى أقصى الأجل لا يصح للزوج مراجعتها وإمساكها( 269 ) .

الإمساك : المراجعة .

المعروف : ما ألفته العقول واستحسنته النفوس شرعا وعرفا وعادة .

التسريح : ترك المراجعة حتى تنتهي عدتها .

الضرار : الضرر .

الاعتداء : الظلم ،

هزوا : أي مستهزءا بها بالإعراض عنها والتهاون في المحافظة عليها . والهزء بضمتين مصدر هزأ به إذا سخر ولعب . وهو هنا مصدر بمعنى اسم مفعول ، وموقعه في الإعراب مفعول ثان لتتخذوا .

نعمة الله : هي الرحمة التي جعلها بين الزوجين .

من الكتاب : أي من آيات أحكام الزوجية .

الحكمة : سر تشريع الأحكام وبيان ما فيها من منافع ومصالح .

التفسير :

{ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف سرحوهن بمعروف . . . }

المعنى : وإذا طلقتم أيها لمؤمنون نساءكم طلاقا رجعيا ، فبلغن أجلهن ، أي فشارفت عدتهن على الانتهاء ، وقاربت الانقضاء فعليكم أن تتدبروا مليا في أمركم ، فإن رأيتم الأصلح في بقائهن معكم فنفذوا ذلك وأمسكوهن بمعروف ، أي بما هو معروف من شرع الله الحكيم ، وبما تقره الأخلاق الحسنة والعقول السليمة ، وإن رأيتم أنه لا رغبة لكم في البقاء معهن فسرحوهن بمعروف ، أي فأمضوا الطلاق ، وتفارقوا بالطريق التي يرضاها الحق سبحانه بأن تؤذوا لهن حقوقهن ، ولا تذكروهن بسوء بعد انفصالكم عنهن فهذا شأن الأتقياء الصالحين فقد سئل بعضهم : لم طلقت امرأتك ؟ فقال : إن العاقل لا يذكر ما بينه وبين أهله .

{ ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا }

أي لا تراجعوهن إرادة الإضرار بهن والإيذاء لهن( لتعتدوا ) عليهن ، والجملة الكريمة تأكيدا للأمر بالإمساك بمعروف وتوضيح لمعناه ، وزجر صحيح عما كان يفعله بعضهم من مراجعته لمر أته قبيل انتهاء عدتها لا لقصد الإبقاء على الزوجية وإنما لقصد إطالة عدة الزوجة ، أو لقصد أن تفتدي نفسها منه بالمال .

وضرارا ، منصوب على الحال في تمسكوهن أو على أنه مفعول لأجله واللام في لتعتدوا هي لام العاقبة أي لتكون عاقبة أمركم الاعتداء ، وحذف مفعول لتعتدوا ليتناول الاعتداء عليهن وعلى أحكام الله تعالى .

" قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغير واحد : كان الرجل يطلق المرأة فإذا قاربت انقضاء العدة راجعها ضررا لئلا تذهب إلى غيره ، ثم يطلها فتعتد فإذا شارفت على انقضاء العدة طلق لتطول العدة ، فنهاهم الله عن ذلك وتوعدهم عليه " ( 270 ) .

وأخرج ابن جرير وغيره عن السدى : أن رجلا من الأنصار يدعى ثابت بن يسار طلق زوجته حتى إذا انقضت عدتها إلى يومين أو ثلاثة راجعها ثم طلقها ، ففعل ذلك بها حتى مضت تسعة أشهر : يضارها ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .

فلا يحل للرجل أن يراجع زوجته إلا إذا كان قد اعتزم العدل وأراده ، فإن تعذر قيام الحياة الزوجية فلا يسوغ له أن يستأنفها معاندة للزوجة وعداوة لها فإن ذلك اعتداء وظلم ، ولهذا قال سبحانه :

{ ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه . . . }

أي ومن يفعل ذلك الإمساك المؤذي للضرر فقد ظلم نفسه بمخالفته أمر الله وبتعريض نفسه لعذاب الله .

{ ولا تتخذوا آيات الله هزوا }

أي ولا تتخذوا أيها الناس آيات الله التي شرعها لكم في شأن الطلاق وغيره مهزوءا بها بأن تعرضوا عنها وتتهاونوا في المحافظة عليها والتمسك بتعاليمها . ومن مظاهر ذلك أن بعض الناس كان يكثر من التلفظ بالطلاق متوهما أن ذلك لا يضر ، أو كان يتخذ المراجعة وسيله لإيذاء المرأة .

جاء في تفسير ابن كثير : " روى ابن جرير عن أبى موسى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب على الأشعرين ، فأتاه موسى فقال : يا رسول الله أغضبت على الأشعرين ؟ فقال : يقول أحدكم قد طلقت ، قد راجعت ليس هذا طلاق المسلمين ، طلقوا المرأة في قبل عدتها( 271 ) .

وقال مسروق : هو الذي يطلق في غير كهنه ، ويضار امرأته بطلاقها وارتجاعها لتطول عليه لعدة .

وقال الحسن وقتادة وغيرهما : هو الرجل يطلق ويقول كنت لاعبا . أو يعتق أو ينكح ويقول منت لاعبا .

فأنزل الله : { ولا تتخذوا آيات الله هزوا } . فألزم الله بذلك .

وروى الحاكم وصححه والبيهقي وأبو داود والترمذي وابن ماجه ، عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث جدهن جد وهزلهم جد : النكاح والطلاق والتق " ( 272 ) .

وعن أبى عمرة وابن مردويه عن أبى الدرداء قال : " كان الرجل يطلق ثم يقول لعبت ويعتق ثم يقول لعبت ، فنزلت والآية على هذا عامة في جميع الأحكام .

{ واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة . . . }

أي واذكروا نعمة الله عليكم في إرسال الرسول بالهدى والبينات ، أو بالإسلام والتزويج وجميع النعم ، واذكروا كذلك ما أنزل عليكم من آيات الكتاب الحكيم ، المنزل على رسولكم المبين لما يسعدكم من الشرائع والأحكام واذكروا أيضا ما أنزل عليكم من حكمة الرسول ، وسنته التي بين بها آيات الله وتشريعاته .

{ يعظكم به } أي يأمركم وينهاكم ويتوعدكم على ارتكاب المحارم .

{ وتقوا الله } أي فيما تأتون وفيما تنذرون .

{ واعلموا أن الله بكل شيء عليم }

فلا يخفى عليه شيء مما تأتون وما تنذرون فيؤاخذكم بما تعلمون من خير وشر ، ولا شك أن معرفة المسلم ذلك ، توجب عليه الالتزام بأوامر الله ، واجتناب ما نهى الله عه ، ليكون بذلك في وقاية من عذاب ربه العليم بكل شيء .

* * *