قوله تعالى : ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون ) إذا وقع الزوج في الطلقة الثالثة بانت منه المرأة بينونة كبرى فلا يحل له بعد ذلك أن ينكحها حتى ينكحها زوج ثان نكاحا صحيحا . والمقصود بذلك أن يكون النكاح مستتما لأوصاف العقد من أركان وشروط ليكون عقدا صحيحا . وأن يكون الوطء من الزوج الثاني مشروعا ، فلا يصح وطء المرأة وهي محرمة أو معتكفة أو حائض أو نفساء ، أو يكون الزوج نفسه محرما أو صائما أو معتكفا ، فإن هذا الوطء الحرام لا يحل المرأة للأول .
والمراد يكون النكاح الثاني وافيا هو أن تحصل المواقعة من الزوج الثاني للمطلقة ثلاثا ، بحيث يقع الجمع ويذوق كل منهما عسيلة الآخر كما ورد في الحديث الشريف ، أما مجرد العقد من الثاني عليها من غير وطء فإنها لا تحل بذلك للأول . فقد روي عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال : قال رسول الله ( ص ) في المرأة يطلقها زوجها ثلاثا فتتزوج غيره فيطلقها قبل أن يدخل بها فيريد الأول أن يراجعها قال : " لا حتى يذوق الآخر عسيلتها " . وفي حديث من رواية البخاري عن السيدة عائشة أن رجلا طلق امرأته ثلاثا فتزوجت زوجا فطلقها قبل أن يمسّها ، فسئل رسول الله ( ص ) : أتحل للأول ؟ فقال : " لا حتى يذوق من عسيلتها كما ذاق الأول " . وروى البخاري أيضا عن السيدة عائشة قال : دخلت امرأة رفاعة القرظي وأنا وأبو بكر عند النبي ( ص ) فقالت : إن رفاعة طلقني البتة ، وإن عبد الرحمان بن الزبير تزوجني ، وإنما عنده مثل الهدية ، وأخذت هدية من جلبابها وخالد بن سعيد ابن العاص بالباب لم يؤذن له ، فقال : يا أبا بكر ألا تنهى هذه عما تجهر به بين يدي رسول الله ( ص ) فما زاد رسول الله ( ص ) عن التبسم ، فقال رسول الله ( ص ) : " كأنك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ، لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " والمراد بالعسيلة الجماع . فقد روي عن النبي ( ص ) قال : " ألا إن العسيلة الجماع " .
ونعرض في هذا الصدد مسألة هامة جديرة بالبيان وهي نكاح المحلل ، وذلك من الأنكحة الفاسدة التي نهت عنها الشريعة ، وتوعدت من يتورط فيها باللعن والتوبيخ على أنه تيس مستعار . وفي هذا أخرج ابن ماجه عن عقبة بن عامر أن رسول الله ( ص ) قال : " ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : هو المحلل ، لعلن الله المحلل والمحلل له " .
وذكر عن ابن عباس قال : سئل رسول الله ( ص ) عن نكاح المحلل ، قال : " لا ، إلا نكاح رغبة ، لا نكاح دلسة ولا استهزاء بكتاب الله ، ثم يذوق عسيلتها " وذكر أيضا أن رجلا جاء إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا ، فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه ليحلها لأخيه هل تحل للأول ، فقال : لا نكاح إلا نكاح رغبة ، كنّا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله ( ص ) .
وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود أن رسول الله ( ص ) قال : " لعن الله المحلل والمحلل له " .
وروى البيهقي بإسناده ، أن عثمان بن عفان رفع إليه رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها ففرق بينهما . وروي مثل ذلك عن علي وابن عباس وغيرهما من الصحابة .
وروى عن عمر أنه قال : لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما .
وقوله : ( فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا ) وتفصيل ذلك أنه إذا طلق الرجل زوجته الطلقة الثالثة ، فاعتدّت ، ثم تزوجها رجل ثان زواجا صحيحا تاما ، ثم طلقها واعتدت عدتها المشروعة ، جاز لها ولزوجها الأول أن يتراجعا فيما بينهما وهو أن يتناكحا بعقد جديد . وذلك إذا علم الزوجان أنهما سوف يتعاشران بالمعروف ويقيمان الحياة بينهما بالخير والصلاح وعلى هدى من تعاليم الله وشرعه ؛ ولذلك قال سبحانه : ( إن ظنا أن يقيما حدود الله ) وللمستزيد من الأحكام في هذه المسائل أن يراجع ذلك في مظانه من كتب الفقه .
وقوله : ( وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون ) وحدود الله هي أحكامه وشرائعه المتعلقة بمسائل النكاح والطلاق وما يحقق للزوجين والأسرة حياة ملؤها الطمأنينة والرضى والود والتفاهم ؛ كيلا يكون ثمة خلل أو تنافر أو مباغضات ما أمكن . وهذه الأحكام والشرائع يبينها الله لتكون مفسرة واضحة للعالمين خاصة ، أما الجاهلون فلا شأن لهم في هذا التبيين ؛ لأنهم لا يعونه ولا يستطيعون الوقوف عليه . وليس لهم من سبيل إلا أن يستمعوا للعالمين من الناس فيأخذوا عنهم العلم والأحكام ؛ لذلك قال سبحانه عن حدوده : ( يبينها لقوم يعلمون ) . {[317]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.