التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ} (238)

قوله تعالى : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا آمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ) ذلك خطاب من الله لعباده المؤمنين آمرا إياهم أن يحافظوا على الصلوات كلها ، وذلك بإقامتها وأدائها تامة غير منقوصة ، سواء في ذلك شروط الصلاة وأركانها من قيام وقراءة وركوع وسجود وقعود وخشوع .

أما الصلاة الوسطى فهي موضع خلاف العلماء سلفا وخلفا .

فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنها الصبح ؛ وتوجيه هذا القول أن ما قبلها صلاتا ليل يُقرأ فيهما جهرا ، وما بعدها صلاتا نهار يُقرأ فيهما سرا . وكذلك فإن وقت الصبح يأتي والناس نيام فيجد الناس في أداء الصلاة في هذا الوقت مشقة وجهدا ؛ وذلك لشدة البرد في الشتاء وقصر الليل في الصيف .

وقيل : إنها الظهر ؛ لأنها وسط النهار . وهو قول زيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن عمر وعائشة- رضي الله عنهم أجمعين-

وقيل : إنها المغرب ؛ لأنها متوسطة في عدد الركعات ، فهي ليست بأقل الركعات ولا بأكثر ولا قصر لها في السفر وأنها قبلها صلاتا سر وبعدها صلاتا جهر .

وقيل : إنها صلاة العشاء الآخرة ؛ لأنها تجيء في وقت من النوم يهجع فيه الناس ، فأراد الله أن يؤكد على الاهتمام بها وعدم التفريط فيها .

وقيل : إنها العصر . وهو الذي مال إليه أكثر العلماء من صحابة وتابعين ومذاهب . فهو مروي عن عمر وعلي وابن مسعود وأبي أيوب وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وحفصة وأم سلمة وابن عمر وابن عباس وإبراهيم النخعي وسعيد ابن جبير وابن سيرين والحسن البصري ، وهو مذهب أحمد بن حنبل والشافعي وأبي حنيفة وبعض المالكية . وقد استدلوا لذلك بجملة نصوص من السنة منها ما أخرجه أصحاب السنن عن علي قال : قال رسول الله ( ص ) يوم الأحزاب : " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارا " ثم صلاها بين العشاءين المغرب والعشاء .

وأخرج الإمام أحمد بإسناده عن سمرة بن جندب أن رسول الله ( ص ) قال : " صلاة الوسطى صلاة العصر " .

وروى ابن جرير الطبري بإسناده عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله ( ص ) : " الصلاة الوسطى صلاة العصر " وأحاديث أخرى من طرق متعددة وكثيرة يمكن الاحتجاج بها على أن المراد بالصلاة الوسطى صلاة العصر .

وقوله : ( وقوموا لله قانتين ) ( قانتين ) منصوب على الحال . والقنوت معناه الطاعة والخشوع والسكوت والقيام في الصلاة والإمساك عن الكلام{[326]} والدعاء إلى الله في ضراعة وتذلل . وعلى هذا فمقصود الآية أن يدعو الناس ربهم في خشوع وتذلل ، وأن يكونوا له طائعين مستسلمين ولأمرع وشرعه ممتثلين منفذين ، وقيل : إن المراد بالقنوت في الآية السكوت في الصلاة . واستدل القائلون بهذا الرأي بأن هذه الآية نزلت في المنع من الكلام في الصلاة ، فقد كان الكلام في الصلاة في صدر الإسلام مباحا ، فقد روي عن عبد الله بن مسعود قال : كنا نسلم على رسول الله ( ص ) وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه ، فلم يرد علينا ، فقلنا : يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا ؟ فقال : " إن في الصلاة شغلا " .

وروي عن زيد بن أرقم قال : كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت ( وقوموا لله قانتين ) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام .

وجاء في صحيح مسلم أن النبي ( ص ) قال لمعاوية بن الحكم السلمي حسن تكلم في الصلاة : " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هي التسبيح والتكبير وكر الله " .

والذي نرجحه أن تكون الآية شاملة لكل هذه المعاني ، فالمسلم مدعو أن يكون قانتا لله بكل ما يتضمنه القنوت من معنى . وهو مدعو كذلك أن يلتزم بالسكوت في الصلاة . وأيما كلام في الصلاة يفسدها إن كان ذلك عمدا ولغير حاجة ملحّة أو ضرورية .

أما إن كان الكلام في الصلاة لحاجة ملحة كأن يكون ذلك لإحياء نفس توشك أن تهلك فإنه جائز ، فمن قطع صلاته لمثل هذا السبب كالذي يقطعها لينبه ضريرا مارا في الطريق ومن أمامه بئر يوشك أن يقع فيها فإن عليه أن يبني على صلاته ولا يستأنفها . وقيل غير ذلك .

وإن كان الكلام في الصلاة سهوا فإنه لا يفسدها ، وهو ما ذهب إليه المالكية والشافعية خلافا للحنفية الذين ذهبوا إلى أن الكلام في الصلاة سهوا يفسدها .

والراجح ما ذهب إليه المالكية والشافعية استنادا إلى قوله عليه الصلاة والسلام : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .

ويستفاد من الآية كذلك وجوب القيام في صلاة الفرض إن كان المصلي صحيحا قادرا سواء كان إماما أو منفردا . ي قول الرسول ( ص ) في ذلك : " إنما جُعل الإمام ليؤتم به ، فإذا صلى قائما فصلوا قياما " . وتفصيل ذلك في مظانّه من كتب الفقه .


[326]:- القاموس المحيط جـ 1 ص 161.