إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُبۡطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلۡمَنِّ وَٱلۡأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنفِقُ مَالَهُۥ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ صَفۡوَانٍ عَلَيۡهِ تُرَابٞ فَأَصَابَهُۥ وَابِلٞ فَتَرَكَهُۥ صَلۡدٗاۖ لَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ مِّمَّا كَسَبُواْۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (264)

{ يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } أقبل عليهم بالخطاب إثرَ بيانٍ ما بطريق الغَيبة مبالغةً في إيجاب العمل بموجب النهي { لاَ تُبْطِلُواْ صدقاتكم بالمن والأذى } أي لا تُحبِطُوا أجرَها بواحدٍ منهما { كالذي } في محل النصب إما على أنه نعتٌ لمصدر محذوفٍ أي لا تُبطِلوها إبطالَ الذي { يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء الناس } وإما على أنه حالٌ من فاعل لا تُبطلوها مشابهين الذي ينفق ، أي الذي يُبطل إنفاقَه بالرياء ، وقيل من ضمير المصدر المقدر على ما هو رأيُ سيبويه ، وانتصابُ رئاءَ إما على أنه عِلةٌ لينفق أي لأجل رئائهم أو على أنه حال من فاعله أي ينفق ماله مرائياً والمراد به المنافقُ لقوله تعالى : { وَلاَ يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر } حتى يرجوَ ثواباً أو يخشى عقاباً .

{ فَمَثَلُهُ } الفاء لربط ما بعدها بما قبلها أي فمثل المرائي في الإنفاق وحالته العجيبة { كَمَثَلِ صَفْوَانٍ } أي حَجَرٍ أملسَ { عَلَيْهِ تُرَابٌ } أي شيء يسير منه { فَأَصَابَهُ وَابِلٌ } أي مطرٌ عظيمُ القطر { فَتَرَكَهُ صَلْدًا } أملسَ ليس عليه شيءٌ من الغبار أصلاً { لاَ يَقْدِرُونَ على شَيء ممَّا كَسَبُواْ } لا ينتفعون بما فعلوا رياءً ، ولا يجدون له ثواباً قطعاً كقوله تعالى : { فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَنثُوراً } [ الفرقان ، الآية 23 ] والجملة استئنافٌ مبنيٌّ على السؤال كأنه قيل : فماذا يكونُ حالُهم حينئذٍ فقيل : لا يقدِرون الخ ومن ضرورة كونِ مَثَلِهم كما ذُكر كونُ مَثَلِ من يُشبِهُهم وهم أصحابُ المن والأذى كذلك والضميران الأخيران للموصول باعتبار المعنى كما في قوله عز وجل : { وَخُضْتُمْ كالذي خَاضُوا } [ التوبة ، الآية 79 ] لما أن المراد به الجنسُ أو الجمعُ أو الفريق كما أن الضمائرَ الأربعةَ السابقة له باعتبار اللفظ { والله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين } إلى الخير والرشاد ، والجملةُ تذييلٌ مقرِّر لمضمون ما قبله ، وفيه تعريضٌ بأن كلاًّ من الرياء والمنِّ والأذى من خصائص الكفارِ ولا بد للمؤمنين أن يجتنبوها .