تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُبۡطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلۡمَنِّ وَٱلۡأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنفِقُ مَالَهُۥ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ صَفۡوَانٍ عَلَيۡهِ تُرَابٞ فَأَصَابَهُۥ وَابِلٞ فَتَرَكَهُۥ صَلۡدٗاۖ لَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ مِّمَّا كَسَبُواْۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (264)

الآية 264 وقوله تعالى : { لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } ؛ المن والأذى ما ذكرنا . ثم جهة البطلان ، والله أعلم ، أن الله عز وجلا وعد لمن تصدق الثواب عليها بقوله : { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضعفه له أضعافا كثيرة } [ البقرة : 245 ] ، وقال : { وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه } [ المزمل : 20 ] ، وقال في آية أخرى : { إن الله أشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } الآية [ التوبة : 111 ] ، وإن كانت تلك الموال في الحقيقة له أعطاهم الثواب على ذلك ، فأخبر أن من أعطى آخر شيئا ؛ يبذل ، ولا{[3304]} يمن عليه ، كالمبادلات التي تجري بين الناس ، لألا يكون لبعض على بعض جهة المن ، إذا أخذ بدل ما أعطاه ، وأن يقال : إن الأموال كلها لله تعالى ، فإنما أعطى ماله ، وكل من أعطى أخر ماله لا يستوجب ذلك حمدا ولا منا .

ثم اختلف في قوله تعالى : { كالذي ينفق ماله رياء الناس } قال بعضهم : هم المنافقون ؛ كانوا ينفقون أموالهم رياء دليله قوله تعالى : { ولا يؤمن بالله واليوم الآخر } ؛ شبه الصدقة التي فيها من وأذى بالصدقة التي فيها رياء ؛ وذلك ، والله أعلم ، أن الصدقة التي فيها من أذى ولم يبتغ بها وجه الله ، فكانت{[3305]} كالصدقة التي ينفقها للرياء{[3306]} لا يبتغي بها وجه الله تعالى عز وجلا والدار الآخرة .

ثم ضرب المثل للصدقة المبتغى بها الرياء والصدقة التي فيها المن والأذى بالصفوان الذي عليه التراب ، وهو الحجر الأملس فقال : { فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا } قيل : الوابل المطر الشديد عظيم القطر{[3307]} .

وفي ضرب الأمثال تعريف ما غاب عن الأبصار بما هو محسوس ، وذلك أن الصفوان الذي ضرب به المثل والتراب محسوس ، ومن التراب جعل الأغذية للخلق والدواب ، ثم الثواب الذي عود للصدقة{[3308]} ليس بمحسوس ، بل هو غائب ، فعرف الغائب بالمحسوس ، فقال : لما كان التراب الذي به تكون الأغذية يذهب بالمطر الشديد حتى لا يبقى له أثر فكذلك الثواب الذي يكون للصدقة يذهب ، ويتلاشى حتى [ لا ]{[3309]} يظفر بها بالمن والأذى والرياء كما أذهب المطر التراب الذي على الصفوان ، فصدر صلدا ، لا شيء{[3310]} عليه من التراب .

وقوله تعالى : { والله لا يهدي القوم الكافرين } ؛ قالت المعتزلة : دلا يهدي القوم الكافرين } بكفرهم الذي اختاروا ، وقلنا نحن : يهديهم وقت اختيارهم الكفر ، ويهديهم الإيمان ، وفي قوله : { قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى } وجه{[3311]} آخر ؛ هو أن يحتمل قوله : { معروف } هذه التسبيحات والثناء والحمد ، { ومغفرة } ستر ما ارتكب من المآثم ، وقوله : { خير } أي أحب على البدن { من صدقة يتبعها آذى } ، والله أعلم .


[3304]:الواو ساقطة من النسخ الثلاث.
[3305]:في النسخ الثلاث: فكان.
[3306]:في النسخ الثلاث للزيادة.
[3307]:في النسخ الثلاث: القدر.
[3308]:من ط ع وم، في الأصل: والصدقة.
[3309]:من ط ع وم، ساقطة من الأصل.
[3310]:من ط ع وم، في الأصل: بشيء.
[3311]:أدرج قبلها في الأصل وم: وله.