التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (30)

قوله : ( يوم تجد كل نفس ما علمت من خير محضرا وما علمت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) ذلك تحذير من الله بالغ لكي يخافه المسلمون فيتجنبوا مناهيه ، وينأوا بأنفسهم عن إضمار المودة للكافرين على حساب المسلمين . يحذرهم الله من الخسران والسقوط في الأذلين يوم القيامة . وإذ ذاك يجد الإنسان ما قدمت يداه من خير ومن شر بعد أن يطلعه الله على كتاب أعماله بين يديه منشورا لا جرم أن الموقف إذ ذاك رهيب ومرعب ، وأن ساعة الحساب مريعة ومذهلة تتزلزل منها القلوب والأبدان ، وتضطرب لهولها الأعصاب والمشاعر . موقف عسير ومذل وبالغ الترعيب يأخذ بالقلوب أخذا لتظل واجفة مذعورة .

وفي هذه الساعة المخوفة من الإياس المطبق تتشبث النفس المشدوهة المذعورة بكل ما تظنه منجاة لها من الخسران والثبور . فإذا أيقنت أن لا منجاة حينئذ ولا مجير غشيتها الأماني الواهمة الخادعة أن لو كان بينها وبين هذا المصير الخاسر أمدا بعيدا من الزمان أو المكان . يعبر عن ذلك أكمل تعبير قوله تعالى : ( تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) .

وقوله : ( ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد ) ذلك تأكيد منه للوعيد الذي خاطب به المسيئين المستنكفين عن أوامر الله ميلا يحل عليهم سخط الله وغضبه . ومع ذلك كله فإن رحمة الله الواسعة مرجوة للعباد ، ولهم من المتسع الرحيب ما يبلغ بهم رحاب النجاة والخلاص . يستفاد ذلك من العبارة القرآنية المجيدة التي تتندى منها شآبيب فياضة من الرحمة ، وتتدفق من ظواهر أحرفها الشفيفة ما يسكب في النفس الأمن والراحة والشرح .