نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَٱلَّـٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ فَٱسۡتَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِنَّ أَرۡبَعَةٗ مِّنكُمۡۖ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِي ٱلۡبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ أَوۡ يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلٗا} (15)

ولما تقدم سبحانه في الإيصاء بالنساء ، وكان الإحسان في الدنيا تارة يكون بالثواب ، وتارة يكون بالزجر{[20768]} والعتاب ، لأن مدار الشرائع على العدل والإنصاف ، والاحتراز في كل باب عن طرفي الإفراط والتفريط ، وختم سبحانه بإهانة العاصي إحساناً إليه بكفه عن الفساد ، لئلا يلقيه ذلك إلى الهلاك أبد الآباد ، وكان من أفحش العصيان الزنى ، وكان الفساد في النساء أكثر ، والفتنة بهن أكبر ، والضرر منهن أخطر ، وقد يدخلن على الرجال من يرث منهم من غير أولادهم ؛ قدمهن فيه اهتماماً بزجرهن فقال : { واللاتي } وهو جمع " التي " ولعله عبر فيهن بالجمع إشارة إلى كثرتهن - كما أشار إلى ذلك مثنى وثلاث ورباع }[ النساء : 3 ] وإلى كثرة الفساد منهن { يأتين } أي يفعلن - من {[20769]}إطلاق السبب على المسبب ، والتعبير به أبلغ { الفاحشة } أي الفعلة الشديدة الشناعة ، وفي الآية - لأن من أعظم المرادات بنظمها عقب{[20770]} آيات{[20771]} الإرث وما{[20772]} تقدمها الاحتياط للنسب - إشارة بذكر عقوبة الزانية من غير تعرض لإرث الولد الآتي منها إلى أن الولد للفراش ، وأنه لا ينفي{[20773]} بالمظنة ، بل بعد التحقق على ما في سورة النور ، لأنه لا يلزم من وجود الزنى نفيه ، وكونه من الزنى ، قال ابو حيان في النهر : والفاحشة هنا الزنى بإجماع المفسرين إلا ما ذهب إليه مجاهد وتبعه أبو مسلم الأصفهاني{[20774]} من أنها المساحقة{[20775]} ، ومن الرجال اللواط ، ثم بين الموصول بقوله : { من نسائكم } أي الحرائر { فاستشهدوا } أي فاطلبوا أن تشهدوا { عليهن أربعة } من الرجال .

ولما كان تعالى قد جعل هذه الأمة وسطاً يقبلون على غيرهم ولا يقبل {[20776]}غيرهم عليهم{[20777]} قال : { منكم } أي من عدول المسلمين بأنهن فعلنها { فإن شهدوا } أي بذلك { فأمسكوهن } أي فاحبسوهن { في البيوت } أي وامنعوهن من الخروج ، فإن ذلك أصون لهن ، وليستمر هذا المنع { حتى يتوفاهن الموت } أي يأتيهن وهن وافيات{[20778]} الأعراض{[20779]} { أو يجعل الله{[20780]} } المحيط علمه وحكمته { لهن سبيلاً * } اي للخروج قبل الموت بتبين الحد أو بالنكاح ، وإن لم يشهد{[20781]} الأربعة لم يفعل بهن ذلك وإن تحقق الفعل .


[20768]:في مد: العقاب.
[20769]:من ظ ومد، وفي الأصل: ممن.
[20770]:في ظ عقيب.
[20771]:زيد من ظ ومد.
[20772]:في ظ: لما.
[20773]:من ظ ومد، وفي الأصل: لا ينبغي.
[20774]:من ظ ومد ومعجم المصنفين 9/97، وفي الأصل: الأصبهاني.
[20775]:وهي ما يجري في النساء مجرى اللواط في الرجال، وفي تاج العروس: وقال الأزهري: مساحقة النساء لفظة مولدة.
[20776]:من ظ ومد، وفي الأصل: عليهم غيره.
[20777]:من ظ ومد، وفي الأصل: عليهم غيره.
[20778]:من مد، وفي الأصل: وافياض، وفي ظ: باقيات ـ كذا.
[20779]:في ظ: الأغراض.
[20780]:زيد في ظ: أي.
[20781]:في مد: لم تشهد.