تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَٱلَّـٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ فَٱسۡتَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِنَّ أَرۡبَعَةٗ مِّنكُمۡۖ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِي ٱلۡبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ أَوۡ يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلٗا} (15)

{ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا واللذان يأتيانها منكم فأذوهما فإن تابا وأصلحا فاعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما }

المفردات :

الفاحشة : معناها لغة : الفعلة الشديدة القبح والمراد منها هنا الزنى لأنه أقبح الفواحش .

فأمسكوهن : احبسوهن .

سبيلا : السبيل : الطريق الموصل ، سواء أكان سهلا أم صعبا .

التفسير :

15- { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا } .

المعنى العام :

واللاتي يأتين الزنا من النساء إن شهد عليهن أربعة من الرجال العاقلين ، يمسكن في البيوت محافظة عليهن ، ودفعا للفساد والشر حتى يأتيهن الموت ، أو يفتح الله لهن طريقا للحياة المستقيمة بالزواج والتوبة .

التدرج في التشريع :

بدأ القرآن الكريم بدعوة إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، فلما استقر الإيمان في القلوب تحدث القرآن المكي عن الزنا وضرره ، ومدح عباد الرحمن ببعدهم عنه ، وفي سورة الفرقان المكية يقول سبحانه :

{ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما . ( الفرقان 68 ) .

وفي سورة الإسراء ، وهي من أواخر ما نزل بمكة ، إذ نزلت قبل الهجرة بسنة وشهرين ، يقول : { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا } . ( الإسراء 32 ) .

والآية تنهى المؤمنين عن الاقتراب من الزنا وتأمرهم بالبعد عن مقدماته ، كالقبلة واللمسة والخلوة بالأجنبية ، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .

وتبين أن الزنا فاحشة وذنب كبير ، يترتب عليه فساد الأنساب وهتك الأعراض واختلاط الذرية ، وانتشار الأمراض المؤذية الفتاكة وساء سبيلا . أي ساء مآل الزنا وعاقبته في الدنيا والآخرة .

وفي العهد المدني حرم الله الزنا بتدرج مناسب ، ففي العام الثاني من الهجرة نزلت الآيتان 15-16 من سورة النساء وفيهما نجد الزنا جريمة اجتماعية ، ويترك عقاب الزناة للأسرة التي تتكفل بحبس الزانيات وإيذاء ومعاقبة الرجال الزناة ، وفي العام السادس من الهجرة أنزل الله سورة النور قال سبحانه : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين . ( النور 2 ) .

من مختصر بن كثير :

كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا ثبت زناها بالبينة العادلة حبست في بيت فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت ولهذا قال : { واللاتي يأتين الفاحشة } . يعني الزنا . { من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا } . فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك .

قال ابن عباس رضي الله عنه كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور فنسخها بالجلد أو الرجم ، وهو أمر متفق عليه .

روى مسلم وأصحاب السنن عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خذوا عني خذوا عني وقد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " 52 .

وقد ذهب الجمهور إلى أن الثيب الزاني إنما يرجم فقط من غير جلد ، قالوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا والغامدية واليهوديين ولم يجلدهم قبل ذلك فدل على أن الجلد ليس بحتم بل هو منسوخ على قولهم والله أعلم53 وعند أبي حنيفة التغريب في حق البكر منسوخ54 وأكثر أهل العلم على ثبوته55 .