فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلَّـٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ فَٱسۡتَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِنَّ أَرۡبَعَةٗ مِّنكُمۡۖ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِي ٱلۡبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ أَوۡ يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلٗا} (15)

{ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ( 15 ) واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما ( 16 ) }

{ واللاتي يأتين الفاحشة } لما ذكر سبحانه في هذه السورة الإحسان إلى النساء وإيصال صدقاتهن وميراثهن مع الرجال ، ذكر التغليظ عليهن فيما يأتين من الفاحشة لئلا يتوهمن أنه يسوغ لهن ترك التعفف .

واللاتي جمع التي بحسب المعنى دون اللفظ وفيه لغات ويقال في جمع الجمع اللواتي واللائي واللوات واللواء ، والفاحشة الفعلة القبيحة وهي مصدر كالعافية والعاقبة ، والمراد بها هنا الزنا خاصة ، وإتيانها فعلها ومباشرتها .

{ من نسائكم } هن المسلمات { فاستشهدوا عليهن أربعة } خطاب للأزواج أو للحكام ، قال عمر بن الخطاب إنما جعل الله الشهود أربعة سترا يستركم به دون فواحشكم { منكم } المراد به الرجال المسلمون .

{ فإن شهدوا } عليهن بها { فأمسكوهن } احبسوهن { في البيوت } وامنعوهن من مخالطة الناس ، لأن المرأة إنما تقع في الزنا عند الخروج والبروز إلى الرجال ، فإذا حبست في البيت لم تقدر على الزنا ، عن ابن عباس قال : كانت المرأة إذا فجرت حبست في البيت فإن ماتت ماتت ، وإن عاشت عاشت حتى نزلت الآية في سورة النور { الزانية والزاني فاجلدوا } فجعل الله لهن سبيلا فمن عمل شيئا جلد وأرسل ، وقد روي عنه من وجوه . {[427]}

وذهب بعض أهل العلم إلى أن الحبس المذكور وكذلك الأذى باقيان مع الجلد لأنه لا تعارض بينهما بل الجمع ممكن ، قال الخطابي : ليست منسوخة لأن قوله { فأمسكوهن } يدل على أن إمساكهن في البيوت ممتد إلى غاية هي قوله { حتى } أي إلى أن { يتوفاهن الموت } أي ملائكة الموت عند انقضاء آجالهن { أو يجعل الله لهن سبيلا } وذلك السبيل كان مجملا ، فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم{[428]} رواه مسلم من حديث عبادة ، صار هذا الحديث بيانا لتلك الآية لا نسخا له .


[427]:أخرجه ابن جرير 8/84 وأبو داود4/202، وقد كان الرجم من الأمم التي سبقتنا.
[428]:مسلم 1690. ورواه أحمد 5/318 والشافعي في الرسالة 129/247 ومسلم 3/1316 وأبو داود 4/202 باختلاف في الروايات.