قوله تعالى : { واللاتي } هو جمع التي وهي يخبر بها عن المؤنثة خاصة { يأتين الفاحشة } يعني يفعلن الفاحشة يقال أتيت أمراً قبيحاً إذا فعلته والفاحشة في اللغة الفعلة القبيحة ، وقيل الفاحشة عبارة عن كل فعل أو قول يعظم قبحه في النفوس ويقبح ذكره في الألسنة حتى يبلغ الغاية في جنسه وذلك مخصوص بشهوة الفرج الحرام ولذلك أجمعوا على أن الفاحشة ها هنا هي الزنا وإنما سمي الزنى فاحشة لزيادة قبحه { من نسائكم } قيل هن الزوجات وقيل المراد بهن جنس النساء { فاستشهدوا عليهن أربعة منكم } يعني من المسلمين وهذا خطاب للأزواج أي اطلبوا أربعة من الشهود ليشهدوا عليهن وقيل هو خطاب للحكام أي استمعوا شهادة أربع عليهن . ويشترط في هذه الشهادة العدالة والذكورة قال عمر بن الخطاب : إنما جعل الله الشهود أربعة ستراً يستركم به دون فواحشكم { فإن شهدوا } يعني الشهود بالزنا { فأمسكوهن في البيوت } أي فاحبسوهن في البيوت والحكمة في حبسهن أن المرأة إنما تقع في الزنى عند الخروج والبروز للرجال فإذا حبست في البيت لم تقدر على الزنى { حتى يتوفاهن الموت } يعني تتوفاهن ملائكة الموت عند انقضاء آجالهن { أو يجعل الله لهن سبيلاً } وهذا الحكم كان في أول الإسلام قبل نزول الحدود كانت المرأة إذا زنت حبست في البيت حتى تموت ثم نسخ الحبس بالحدود وجعل الله لهن سبيلاً ( م ) عن عبادة بن الصامت قال : " كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه حكم كرب لذلك وتربد وجهه فأنزل الله عليه ذات يوم فبقي كذلك فلما سري عنه قال :
" خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " .
اتفق العلماء على أن هذه الآية منسوخة ثم اختلفوا في ناسخها فذهب بعضهم إلى أن ناسخها هو حديث عبادة بن الصامت المتقدم وهذا على مذهب من يرى نسخ القرآن بالسنة وذهب بعضهم إلى أن الآية الحد التي في سورة النور وقيل إن هذه الآية منسوخة الصامت المتقدم وهذا على مذهب من يرى نسخ القرآن بالسنة بالحديث والحديث منسوخ بآية الجلد وقال أبو سلمان الخطابي : لم يحصل النسخ في هذه الآية ولا في الحديث وذلك لأن قوله تعالى : { فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً } يدل على إمساكهن في البيوت ممدوداً إلى غاية أن يجعل الله لهن سبيلاً وأن ذلك السبيل كان مجملاً فلما قال صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً " الحديث صار هذا الحديث بياناً لتلك الآية المجملة لا ناسخاً لها . وأجمع العلماء على جلد البكر الزاني مائة ورجم المحصن وهو الذي اجتمع فيه أربعة أوصاف البلوغ والعقل والحرية والإصابة في نكاح صحيح وهو الثيب واختلفوا في جلد الثيب ورجمه فذهب طائفة إلى أنه يجب الجمع بينهما وبه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه . والحسن وإسحاق بن راهويه وداود وأهل الظاهر وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : أنه جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة . وقال : جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال جماهير العلماء الواجب على المحصن الزاني الرجم وحده لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزاً والغامدية ولم يجلدهما . وأما تغريب البكر والزاني ونفيه سنة فمذهب الشافعي وجماهير العلماء وجوب ذلك وقال أبو حنيفة وحماد لا يقضى بالنفي أحد إلاّ أن يراه الحاكم تعزيراً ، وقال مالك والأوزاعي : لا نفي على النساء ويروى مثله عن علي قال لأن المرأة عورة وفي نفيها تضييع لها وتعريض للفتنة وحجة الشافعي وجماهير العلماء ظاهر حديث عبادة بن الصامت وهو قوله صلى الله عليه وسلم : " البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة " وروى نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب وأن أبا بكر ضرب وغرب وأن عمر ضرب وغرب وإن كان الزاني عبداً فعليه جلد خمسين وفي تغريبه قولين . فإن قلنا إنه يغرب ففيه قولان أصحهما أنه يغرب نصف سنة قياساً على حده وأن كان الزاني مجنوناً أو أنه يغرب ففيه قولان : أصحهما أنه يغرب نصف سنة قياساً على حده وإن كان الزاني مجنوناً أو غير بالغ فلا جلد عليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.