تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱلَّـٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ فَٱسۡتَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِنَّ أَرۡبَعَةٗ مِّنكُمۡۖ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِي ٱلۡبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ أَوۡ يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلٗا} (15)

الآيتان 15 و16 وقوله تعالى : { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم } ، { واللذان يأتيانها منكم فآذوهما } قيل كان هذان الحكمان في أول الإسلام : الأول منهما للمرأة والثاني : للرجل وقيل : إن آية الأذى كانت في الرجل والمرأة ، وآية الحبس كانت في حبس المرأة ، ويحتمل أن تكون آية الأذى في البكر في الرجل والمرأة جميعا ، وآية الحبس في الثيب في الرجل والمرأة ، ويحتمل أن تكون آية الأذى في الرجال خاصة في ما يأتي الذكر ذكرا على ما كان من فعل قوم لوط وآية الحبس في الرجال والنساء جميعا .

فإن كانت{[5013]} آية الأذى في الرجال خاصة ففيها حجة لأبي حنيفة رضي الله عنه حين لم يوجب على من عمل قوم لوط الحد ، ولكن أوجب التعزير والأذى هو منسوخ إن كان في هذا وإن كانت في الأول فهي منسوخة .

ثم اختلف بما به نسخ فقال قوم نسخ بقوله { الزانية والزاني فاجدلوا كل واحد منهما مائة جلدة } ( النور 2 ) لكن عندنا : هذا يجوز أن يجمع بين حكميهما فكيف يكون به النسخ ؟ ولكن نسخ عندنا بالخبر ، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) {[5014]} قال : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا : البكر بالبكر والثيب بالثيب ، البكر يجلد وينفى ، والثيب يجلد ويرجم " ( مسلم 1690 ) ففيه دليل حكم نسخ القرآن بالسنة ، فإن قيل : في الآية دليل وعد النسخ بقوله : { أو يجعل لهن سبيلا } فإنما صار منسوخا بما وعد الله في الآية من النسخ لا{[5015]} بالسنة وقيل : ما من آية أو سنة كان من حكم الله النسخ إلا الوعد فيه النسخ ، وإن لم يكن مذكورا لأن الله عز وجل لا يجعل الحكم في الشيء للأبد ثم ينسخ لأنه بدو ، وذلك فعل البشر لا فعل الربوبية ، فإذا كان ما ذكرنا فلا فرق بين أن ينسخه الوحي{[5016]} يكون قرآنا يتلى ( والسنة فيها ) {[5017]} أخبار كثيرة روي أنه رجم ماعز إذ أقر بالزنى مرارا ، ورجم أيضا غيره ( بما روي أن رجلا عسف آخر فزنى بامرأته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) {[5018]} " سأقضي بينكما بكتاب الله تعالى " وقال ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) {[5019]} " واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن هي اعترفت فارجمها " ( البخاري 2695 و2696 ) .

وعن عمر رضي الله عنه قال : ( خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله . ألا وإن الرجم حق ( على من زنى ، إذا أحصن الرجل والمرأة ) {[5020]} وقامت البينة أو اعترفا{[5021]} ، وقد قرأناها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ) .

وقال قوم : الرجم بين اليهود والنصارى كهو بين المسلمين كالجلد بالآية ولما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهوديا قيل : إنما رجم بحكم التوراة . إلا ترى أنه روي أنه دعا بالتوراة فأمرهم أن يقرؤوا عليه ف وضعوا أيديهم على الموضع الذي فيه ذكر الرجم فقرؤوا غيره . قال ابن سلام : إنهم كتموه يا رسول الله ثم قرأ هو : فأمر برجمه{[5022]} ولا شك أن القرآن نسخ حكم التوراة ذلك لم يقم عليهم الرجم . فإن قال قائل : إن الحد يقام على من عمل عمل قوم لوط بقوله تعالى : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } ( النور 2 ) قيل : لا يحتمل وجوب الحد ذلك لأنه مختلف حكم من هذا في الحرمة ووجوب الرجم{[5023]} وغير ذلك فلا يحتمل أن يعرف شيء بما{[5024]} يخالفه في جميع أحكامه وجميع الوجوه .

وقوله تعالى : { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } في الآية دليل القياس لأنه ذكر الحكم في النساء ولم يذكر في الرجال ذلك الحكم وهما لا يختلفان في هذا الحكم لما يلزم المرأة في ذلك الفعل يلزم الرجل مثله دل ما ترك ذكره في المنصوص والانتزاع منه . وقال قوم : إن على الثيب الجلد والرجم جميعا ذهبوا في ذلك إلى ما روي عن عبادة ابن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه ) {[5025]} قال : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر يجلد ، والثيب بالثيب يجلد ويرجم " ( مسلم 1690 أوجب الرجم على الثيب .

وأما عندنا فإنه لا يوجب مع الرجم الجلد لما روينا من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم ماعزا ولم يذكر أنه جلده وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) {[5026]} قال : " واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " ( 2695 و2696 ) لم يذكر هنالك جلد والأخبار كثيرة في هذا ، وروي انه قال : " من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله الذي ستره عليه فإن من أبدى لنا صفحة أقمنا عليه حد الله " ( مالك في الموطأ 2/ 825 ) .

ثم يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم : " والثيب يجلد ويرجم " في اختلاف الأحوال : يجلد في حال ويرجم في حال أو يجلد ثيب ويرجم آخر لأنه لا كل ثيب يرجم لأنه إذا كان ثيبا غير محصن لا يرجم دل أنه ما ذكرنا أو يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم " البكر بالبكر يجلد وينفى ، والثيب بالثيب ( يجلد ويرجم ){[5027]} " ( مسلم 1690 ) أي البكر مع البكر ، والثيب مع الثيب ، فيكون ثيب يجلد وثيب آخر يرجم .

ثم اختلف أهل العلم في نفي البكر قال قوم : النفي ثابت واجب وعندنا إن كان فهو منسوخ ودليل نسخه ما روي في خبر زيد بن خالد ( الجهني ) {[5028]} ، وكان الرجل بكرا ، يذكر أنه نفي ، وما وري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه نفى رجلا فارتد ولحق بالروم وقال : لا أنفي بعد هذا أبدا وما روي أنه قال : ( كفى بالنفي فتنة ) . وإن كان فهو عقوبة وليس بحد كحبس الدعارة وغيره والدليل على أن النفي ليس بحد أن الله سبحانه وتعالى قال في الإماء : { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصن من العذاب( النساء 25 ) .

والأمة لا تنفى ، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ثم إذا زنت فليجلدها ثم إذا زنت فليبعها ولو بضفر " ( البخاري 2152 و2154 ) أمر بجلدها ولم يأمر بالنفي ولو كان حدا لأمر به كما أمر بالجلد دل أنه ليس بحد في الحرة{[5029]} ولأنه أوجب على الإماء نصف ما اوجب على الحرائر ولا نصف للنفي دل أنه ليس بحد ولا يجب ذلك او إن كان فهو حبس وفي الحبس نفي فيحسبان{[5030]} أو ينفيان لينسيا ما أصاب لأن كل من رآهما يذكر فعلهما فينفيان لذلك لا أنه حد ولكن لينسيا ذلك ولا يذكر{[5031]} .

وقوله تعالى أيضا : { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } إلى قوله : { فإن تابا وأصلحا } ( النساء 15 و16 ) يخرج على وجهين لو كانت الآيتان في الزنى .

أحدهما : أن يكون في جميع الإناث الحبس وفي الذكور الإيذاء ولذلك جميع من الجميع في الخبر الذي به النسخ فارتفع الحبس والأذى جميعا وذلك تأنيب الرجل به أزجر له ، وحبس المرأة أقطع لوجوه الزنى .

والثاني : {[5032]} ان تكون الآية الأولى في المحصنات على تضمن المحصنين بالمعنى والآية الثانية في الذكور والإناث ( على تضمن الإناث ) {[5033]} بالمعنى لكن جرى الذكر على ما ظهر من فضل صيانة الأبكار في الإناث إما تدينا أو حياء افتضاح{[5034]} أو بما الغالب عليهن الصون من المحارم والحفظ عن قرب الذكور ليس من شيء من ذلك في الذكور ولا في الثيبات من النساء{[5035]} على أنه بعيد بلوغ النساء في قلة الحياء إلى أن يعلن حتى يشهده أربعة{[5036]} والغالب عليهن ألا يخالطن هذا القدر من العدد .

ثم الدلالة على دخول الكل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " ذكرهن على ما جرى به الذكر في القرآن ثم جمع في التفسير بين الكل ثبت أن الذكر قد يضمن الكل وذلك يبطل تأويل / 84- أن يصرف الآية إلى الأبكار من الإناث والذكور ومتى يحتمل وجود ( الكل ) {[5037]} مثل ذلك بعد النكاح على إثر خلوة الأزواج بهن والاطلاع على ما فيه المسبة الدائمة والعار اللازم له ثم كشف ذلك لجميع محارمها ثم خوف الانتشار به ظاهر وكيف يحتمل في مثل تلك الحال إلى ممكن من ذكر دون أن ينضم إلى زوجها ؟

فتأويل من وجه الآية إلى الأبكار خارج عن المعروف ثم المروي عن السنة ثم ( ما ){[5038]} أجمع عليه أهل التأويل عمد صاحبه على هذا جهله بألا يجوز بيان نسخ حكم بينة الكتاب بالسنة ويحكم على الله تعالى وعلى رسوله بحجر هذا النوع .

وقوله عز وجل : { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا } الآية ومعلوم أن عقوبة الزناة يتولاها الأئمة فكان الخطاب عليهم خرج ثم قد ثبتت{[5039]} الفاحشة منهن ولم يأذن في إقامة عقوبتها حتى يستحضر أربعة فيشهدوا{[5040]} بها . فعلى هذا أن ليس للأئمة تولي حد الزناة بعلمهم حتى يكون ثم شهود . وفي ذلك لزوم حق الستر إلى أقصى ما ينتهى إليه الفعلان من الزناة إذ ذلك أمر معلوم في ما يحل ألا يفعل إلا في أحوال الخلوات التي تعلم حقيقته ذلك بالولد يكون فأما من حيث الكون دونه فإنما هو غالب الظن فالذي لا يحل من ذلك أن يكون بحيث لا تعلم حقيقته أبدا . يدل ذلك جميع الأمور التي منها المباح والمحظور إذ المحظور منه أبعد من الظهور والعلم من المباح .

فعلى ذلك أمر هذا مع ما أيد ما جعل من هذا الرمي وجهين :

أحدهما : الزجر عن هتك هذا النوع من الستر حتى خرجت شهادة من رمى بذلك بما هتك ستر الله .

والثاني : فحش الشين بفاعل ذلك لزوم المسبة في صاحب ذلك وذلك معنى لزوم الشين ، وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : " من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من أبدى صفحة أقمنا عليه حد الله " ( الموطأ 2/ 825 ) فإذا بلغ العمد الذي حده ما ذكرت من العقوبة من نهاية الستر النهاية من الإعلان حتى ظهر ذلك للجماعة يفعل ما يشينه فعله ما ذكرت استحق ما ذكرت من العقوبة بجرأته على ذلك ، وبقلة{[5041]} حيائه حين أظهر الذي ذلك حقه الستر عقوبة ذلك الفعل ، فألزم من إليه ذلك القيام به لله . ثم جعل الله في ذلك عقوبات مختلفة على اختلاف أوقات الفعل وأهله على ما علم من مصلحة الخلق بها وزجرهم وتفكيرهم بها . ثم إن الله سبحانه وتعالى جعل أول عقوبة الزنى من نوع من الخلق ظاهرا يكسبون به عرض الدنيا في{[5042]} ذلك في الإماء حتى قال تعالى : { ولا تكرهوا فتاتيكم على البغاء } الآية ( النور 33 ) وحتى كانوا يدعون الأنساب في أولاد الزنى من الإماء حتى بلغ ظهور ذلك إلى أن يمازح به الحرائر في الطرق تعاميا عن حالهن فنزل قوله سبحانه وتعالى : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين } ( الأحزاب 59 ) .

وإن كان هذا حالهم في ذلك الوقت فعليهم{[5043]} خوف مواقعة الزنى وكذلك لكثرة ما يرين{[5044]} أو يسمعن وذلك ( في وجهين :

أحدهما ) {[5045]} : معنى يبعث من شرهت نفسه وقل{[5046]} تفكره في أمر عاقبته مما ينزل به أو يشينه وقد ركبت هذه الشهوة في كل البشر فخفف الله عقوبته في الابتداء أن جعل في الحبس والإمساك في البيوت ثم صار ذلك إلى الضرب لما يخرج الناس من بيوتهم ويعظم{[5047]} ذلك في أعينهم وجعل في الشتم به الحد ليعرفوا عظم موقعه عند الله وينتهوا{[5048]} عن فعله .

وقد جعل في ذلك في بعض الأحوال الرجم وهي الحال التي يزول فيها كل وجوه العذر وترتفع جميع معاني الشبه لعظم أمره .

والثاني : أن السبب الباعث على ذلك قرب بعض ببعض ومخالطة بعض ببعض على عظم الشهوة فغلب عليهم الأمر واستعدتهم الشهوة حتى واقعوا ذلك .

ثم في الحبس ( وجوه :

أحدهما ) {[5049]} : الكف عن المعنى الذي يدعو إليه من الاختلاط وتلاقي الأبصار .

والثاني : ما فيه من ضجر وتضييق الحال إذ جعل إلى الموت فيكون في ذلك عقوبة من حيث الضجر ومعونة على الكف عنه بالحبس حتى لا يقع بصر ذكر على أنثى ، وأنثى على ذكر .

والثالث : أن يكون في الحبس ترغيب الأرحام في الحفظ وإلزام القرابة بعد ما يزجر عن تضييع حقوق الرجم ويدعو إلى القيام بالكفاية إن ضيق على الفاعل ذلك . وذلك يوجب قبل المواقعة الاستعلام عن الأحوال والجهر في الحفظ إذ في ذلك بعض اهل الاتصال من تكليف الإمساك والقيام بالكفاية فيكون أبلغ في العفاف وأقرب على الصلاح . وعلى مثل ذلك جعل أمر المعاقل ليقوم أهل الصلاح في كل قبيلة في كف أهل الفساد ، والله أعلم .

ثم لما انقطعت العادة وقام الناس بالتعاهد وتفرق الفريقان حتى لا يؤذن بالاجتماع إلا أن يكون ثم من جبل على الإياس من ذلك ونثى{[5050]} على قطع الشهوة فيهن ، فجعل في ذلك حد ، وفي ذلك { لهن سبيلا } وذلك والله أعلم يخرج على أوجه يجب التأمل في الوجه ( الأول ) {[5051]} الذي سمي ما نسخ به اللازم في ذلك وذكر في ما ذكر حد مرة ورجم ثانيا ، ومعلوم أن المجعول له السبيل : والرجم والحد أشد عليهم من الحبس ، وقد روي عن نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مئة وتغريب عام والثيب بالثيب يجلد ويرجم " ( مسلم 1690 ) فهو والله أعلم أنه{[5052]} بهذه الشريعة خلى سبيلهن لا أن اوجب على المحبوسات إقامة ذلك بما حبسن{[5053]} بالزنى ولكن في هذا تخلية السبيل على أنهن إذا زنين فعل بهن ذلك على رفع الحبس عنهن إذا حبسن{[5054]} بما لم يبين حد ذلك ، فإذا يبن زال ذلك ، ولا حد حتى يكون منها ذلك فالسبيل المجعول لهن تخلية السبيل ثم بين في الحكم في الحادث

والرابع{[5055]} : أن السبيل في الحقيقة مجعول لمن كلف إمساكهن وإن أضيف إليهن بما عليهن الأمر وذلك كقوله تعالى : { فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن } ( النساء 25 ) والإماء لا يؤتين الأجر لمن بمعنى فيهن ذكر الأجر فأضيف إليهن نحو ما أضيف أهل القرى إلى القرى بالتسمية فأخرجت على تسمية القرى . ويزيل{[5056]} عنهم مؤنة الإمساك والقيام بالكفاية .

والخامس : أن يكون في طول الحبس ضجر وضيق وحيلولة بين المحبوس والشهوات كلها وقطع بينه وبين الأحباب وتحمل مثله بمره{[5057]} أيسر على النفس وأهون من دوام الذل والقهر ثم لا مخلص عن ذلك إلا بما في الأول يكون مره{[5058]} فلذلك سمى والله أعلم { لهن سبيلا } .

ثم دل الخبر الذي ذكرت على أمرين :

أحدهما : أن الحبس وإن كان مذكورا في النساء فهو في جميع الزناة لانه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني ، خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا " ثم ذكر ما به جعل لهن السبيل في الذكور والإناث في المحصنين وغيرهم جميعا ليعلم أن الحكم يجمع الكل وإن كان الذكر فيهن وذلك كما ذكر حد المماليك / 84- ب / في الإماء ، وحد الزناة في قذف المحصنات والحكم يجمع الذكر والأنثى من حيث اتفاق المعنى الذي جعل فمثله في ما نحن فيه .

والثاني : بيان نسخ المذكور من الحكم في الكتاب بالسنة وذلك لوجهين .

أحدهما : أنه لم يوجد على الترتيب الذي ذكر في القرآن مع ما ذكر تخلية السبيل وليس بمذكور في شيء من القرآن ثبت أن ذلك كان بوحي غير القرآن .

والثاني أنه صلى الله عليه وسلم قال : " خذوا عني ، خذوا عني " ثم أخبر عن جعل الله لهن السبيل فدل قوله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني " أنه بيان جعل وهكذا معنى النسخ أنه{[5059]} بيان جعل الله مدة حكم الأول بما يحدث فيه الحكم .

وليس لقول{[5060]} من يقول : في هذا القرآن وعد بقوله عز وجل : { أو يجعل الله لهن سبيلا } معنى أن{[5061]} كل شيء في حكم الله ينسخه{[5062]} فالوعد في حكمه قائم ( لا بأن ) {[5063]} يقول قائل : لا يصدق الرسول ببيان وعد الحكم وإنما يصدق ببيان وعد الشرط فيحتاج أن يحدث منه إيمانا والله الموفق ، مع ما إذا جاز أن يعد النسخ المذكور في القرآن حقيقة يجوز أن ينسخ المذكور حقيقة{[5064]} .

وبعد أن يقول هذا بعثه عليه جهله بمعنى النسخ أنه البيان عن منتهى حكم المذكور من الوقت ولا{[5065]}ريب أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بيان منتهى الحكم من النوع فمثله الوقت ثم إذا كان هذا الأول عقوبة في الإسلام فثبت به نسخ الحكم بالتوراة والعمل إذ كان فيها الرجم وقد ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رجم بحكم التوراة وقال : " أنا أول من أحيى سنة أماتوها " ( بنحوه الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/152/ وإذا ثبت أن ذلك حكم التوراة ثم ثبت نسخ حكمه فلا يقام عليهم الرجم إلا بعد البيان مع ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أشرك بالله فليس بمحصن ) ( الدارقطني 3266 ) وأنه أخبر بالرجم في القرآن للمحصن وقال قوم : عقوبة الحبس في الإناث خاصة .

وأما في الذكور ففيهم الأذى باللسان والتعزير{[5066]} بقوله تعالى : { واللذان يأتيانها منكم فأذوهما } الآية . وهذا قريب من حيث كانت النساء مكانهن البيوت وأمكن حفظهن عن الزنى بتسليمهن{[5067]} إلى الأزواج مرة والمحارم ثانيا .

والرجال إذا حبسوا تحولت مؤنتهم إلى غيرهم فيكون عقوبة فعلهم تلزم غيرهم والراحة تكون لهم . وأما النساء فمؤنتهن في الأصل على غيرهن فليس في حبسهن زيادة على غيرهم فلذلك عقوبة لهن{[5068]} مع ما كان الرجال بحيث يمكن تعييرهم وذلك أبلغ ما يزجر العقلاء .

وقد يحتمل أن يكون ذلك في الرجال إذ لا يذكر في عمل قوم لوط العقوبة وقد علم الله سبحانه وتعالى حاجة الناس إلى معرفة إذ جعل الله تعالى في إتيان النساء حقوقا وحرمات وأحكاما ليست في إتيان الذكور عرف الخلائق تلك فلم يحتمل أن ينزل عقوبة الذكور في الزنى بعد أن فرق أحكام الأمرين فيشبه أن تكون الآية على ذلك وأيد ذلك عز وجل أنه سبحانه وتعالى قال : { فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما } ولم يذكر في ذلك جعل السبيل .

وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في كل أقسام الزنى ثبت ان ذلك في ما ذكر فتكون العقوبة{[5069]} الأولى في ذلك أخف من الحد ( فتلك العقوبة ) {[5070]} الثانية مع ما يكون في ما يؤذيان بتفريق وهو تعزير وذلك هو الباقي أبدا إذا لم يظهر معنى النسخ وأيد الذي ذكرت استواء الذكور والإناث في جميع عقوبات الزنى في قديم الدهر وحديثه من حدود المماليك والأحرار والثيبات والأبكار فعلى ذلك أمر تأويل الآية .

والنفي المذكور في الخبر يحتمل ( وجهين :

أحدهما ) {[5071]} : ما ذهب إليه الخصوم من جعله عقوبة وأنه النفي من البلد ولكن الحدود إذا جعلت كفارات قد جعلن زواجر في الزنى بخاصة ، إذ أمر فيه بالحبس إليه أريد قطع السبيل إليه ، وفي الإشخاص والإخراج من البلدان تمكين وذلك بعيد ، والله أعلم . فعلى ذلك لو كان عقوبة فهو على الحبس فينفى عن وجوه الاجتماع{[5072]} على ما كان من قبل فينفى ذلك العذر منه لظهور خشوع التوبة .

والثاني{[5073]} : يحتمل أن يراد بالنفي قطع الذكر ورفع المسبة فينفى لينسى ذلك فلا يعير بذلك وكذلك في الإماء لا في الكفرة إذ ما فيهم من الذل أعظم مع لا يجب لسب{[5074]} من ذكرت حد ليعلم عظيم موقع ذلك في الأحرار ، ولو كان على العقوبة فهو منسوخ بما جرت السنة في الإماء بحدهن من غير ذكر الحبس ، و قال الله سبحانه وتعالى : { فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } ( النساء 25 ) والمذكور في الثيب يحتمل بجلد في حال وبرجم في حال ، إذ لا ثيب تجلد وإن كان نسخ بما ذكر من خبر ماعز وغيره .

وقوله تعالى : { فآذوهما } بالجلد ، وقيل : { فآذوهما } بالتعيير { فإن تابا وأصلحا } كفوا عن ذلك ، وقيل : فسبوهما لكن ذا قبيح والتعيير أقرب .


[5013]:في الأصل و م: كان.
[5014]:ساقطة من الأصل و م.
[5015]:من م في الأصل: وإلا.
[5016]:في الأصل و م: بوحي.
[5017]:في الأصل و م: وفيه.
[5018]:في الأصل و م: ما روي عن عسيف الرجل زنى بامرأة وقال انظر المسند 4/115.
[5019]:ساقطة من الأصل و م.
[5020]:في الأصل و م: إذا أحصن الرجل.
[5021]:في الأصل و م: اعترف.
[5022]:في الأصل و م: يرجمهم.
[5023]:من م في الأصل: المهر.
[5024]:في الأصل و م: لما.
[5025]:ساقطة من الأصل و م.
[5026]:ساقطة من الأصل و م.
[5027]:ساقطة من الأصل و م.
[5028]:ساقطة من الأصل و م.
[5029]:في الأصل و م: الحر.
[5030]:في الأصل و م: فيحبس.
[5031]:في الأصل و م: يذكر.
[5032]:في الأصل و م: أو.
[5033]:من م ساقطة من الأصل.
[5034]:في م الافتضاح.
[5035]:في الأصل و م: الناس.
[5036]:في الأصل و م: أربع.
[5037]:من م ساقطة من الأصل.
[5038]:ساقطة من الأصل و م.
[5039]:في الأصل و م: اثبت.
[5040]:في الأثل و م: فيشهدون.
[5041]:أدرج قبلها في الأصل و م: محله.
[5042]:من م في الأصل و في.
[5043]:في الأصل و م: عليهم.
[5044]:في الأصل و م: يدين.
[5045]:ساقطة من الأصل و م.
[5046]:في الأصل و م: وقلة.
[5047]:في الأصل و م عظم.
[5048]:في الأصل و م: وانتهوا.
[5049]:في الأصل و م: وجهان أحدهما
[5050]:في الأصل و م: واثنى نثي الحديث وأشاعه.
[5051]:ساقطة من الأصل و م.
[5052]:في الأصل و م أن.
[5053]:في الأصل و م: حبس.
[5054]:في الأصل و م: حبس.
[5055]:في الأصل و م ووجه آخر.
[5056]:في الأصل و م: ويزول.
[5057]:في الأصل و م ثمره.
[5058]:في الأصل و م: ثمره.
[5059]:في الأصل و م: أن.
[5060]:في الأصل و م: قول.
[5061]:في الأصل و م: لأنه.
[5062]:أدٍّج فبلها في الأصل و م: أنه.
[5063]:في الأصل و م: إلا.
[5064]:في الأصل و م: حقيق ته لا فيه.
[5065]:الواو ساقطة من الأصل.
[5066]:من م في الأصل: التغريد.
[5067]:في الأصل و م: وتسليمهن.
[5068]:في الأصل و م: لهم.
[5069]:في الأصل و م: عقوبة.
[5070]:في الأصل و م: فذلك عقوبة.
[5071]:في الأصل و م: وجوها أحدها.
[5072]:من م في الأصل: الإجماع.
[5073]:في الأصل و م: وقد.
[5074]:من م في الأصل نسب.