التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُواْ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۚ مِّنۡهُمۡ أُمَّةٞ مُّقۡتَصِدَةٞۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ سَآءَ مَا يَعۡمَلُونَ} (66)

قوله : { ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل } أي أقاموا أحكامهما وحدودهما وآمنوا بما اشتملا عليه من تبشير بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم .

قوله : { وما أنزل إليهم من ربهم } أي القرآن . وقيل : سائر كتب الله ، فهم مكلفون بالإيمان بجميعها .

قوله : { لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم } لما أصر اليهود على تكذيب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أصابهم القحط والجدب والشدة فعانوا بذلك قسوة الفقر والمضانكة . فالله يبين لهم أنهم لو استجابوا لداعي الحق وتحرروا من إسار الشذوذ واللؤم والعناد لوسع الله عليهم في الرزق ، ولأفاض عليهم من بركات السماء والأرض فعاشوا في النعماء والبحبوحة . هذا مقتضى قوله : { لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم } وتأويل ذلك يحتمل عدة وجوه هي :

الأول : أن المراد من ذلك المبالغة في ذكر السعة والخصب . وليس المراد أن هناك فوقا وتحتا كالذي عليه ظاهر العبارة أي لأكلوا أكلا دائما ومنعما وغير منقطع لكثرته .

الثاني : إن الأكل من فوق يراد به نزول المطر ، ولأكل من تحت الأرجل معناه خروج النبات والثمر .

الثالث : من قول الزمخشري وهو كثرة الأشجار المثمرة والزرع المغلة وأن يرزقهم الله الجنان اليانعة الثمار يجتنون ما تهدل منها من رؤوس الشجر ويلتقطون ما تساقط على الأرض من تحت أرجلهم .

قوله : { منهم أمة مقتصدة } الاقتصاد معناه الاعتدال في العمل من غير غلو ولا تقصير . وأصله القصد ، ومعناه العدل واستقامة الطريق . وهو ضد الإفراط{[1018]} والمراد بقوله : { أمة مقتصدة } أي طائفة معتدلة من اليهود غير مغالية ولا مفرطة . فهي على الحق والاعتدال ، ومجانبة للإفراط والتفريط وهم الذين آمنوا واتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن سلام وأمثاله من اليهود الذين أسلموا ، وآخرون من النصارى آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم واتبعوا النور الذي أنزل معه كالنجاشي وأصحابه من النصارى .

وقيل : المراد بهم الكفار من أهل الكتاب الذين كانوا عدولا في دينهم وطبائعهم وسلوكهم ، إذ لم يكونوا مغالين ولا غلاظا . وما كانوا يؤذون المؤمنين بالكيد وفاحش القول .

قوله : { وكثير منهم ساء ما يعملون } أي أن كثيرا من أهل الكتاب أجلاف متعصبون وهم مبغضون لئام ، طغت عليهم الكراهية ، وملك قلوبهم الحقد فساء عملهم إذ عاثوا في البلاد إفسادا وتشويها وتحريضا على التصدي للإسلام والمسلمين . وفيه معنى التعجب أي أن كثيرا منهم ما أسوأ عملهم{[1019]} .


[1018]:- القاموس المحيط ج 1 ص 339.
[1019]:- الكشاف ج 1 ص 630 وتفسير الرازي ج 6 ص 50 وروح المعاني ج 6 ص 185.