التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَٱتَّخَذَ قَوۡمُ مُوسَىٰ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِنۡ حُلِيِّهِمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٌۚ أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّهُۥ لَا يُكَلِّمُهُمۡ وَلَا يَهۡدِيهِمۡ سَبِيلًاۘ ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَٰلِمِينَ} (148)

قوله تعالى : { واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين 148 ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ظلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين 149 ولما رجع موسى إلى قومه غضبن أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين 150 قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الرحمين } .

لقد ضل بنو إسرائيل وافتتنوا ؛ إذ أضلهم السامري باتخاذ العجل إلها بعد أن صنعه من حلي القبط . والحلي لما تزين به من الذهب والفضة ؛ فقد ذكر أن السامري قبض قبضة من تراب من أثر فرس جبريل عليه السلام يوم قطع البحر ، فألقاها في الحلي المصنوع فصار عجلا له خوار . أما قصة الحلي : فهي أن السامري قال لبني إسرائيل وكان مطوعا فيهم : إن معكم حليا فاستعاروا لذلك اليوم . فلما أخرجهم الله من مصر وغرق القبط بقي ذلك الحلي في أيديهم . فقال لهم السامري : إنه حرام عليكم فهاتوا ما عندكم فنحرقه . وقيل : هذا الحلي ما أخذه بنو إسرائيل من قوم فرعون بعد الغرق ، وإن هارون قال لهم : إن الحلي غنيمة وهي لا تحل لكم فجمعها في حفرة حفرها فأخذها السامري{[1523]} . وقوله : { جسدا } بدل من { عجلا } والجسد معناه البدن ذو اللحم والدم كسائر الأجساد . والخوار ، صوت البقر . وقيل : إن العجل ظل على أصله من ذهب إلا أنه كان يدخل فيه الهواء فيصوت كخوار البقر فحسبوه عجلا ، وقيل : لما سمعوا صوت العجل رقصوا من حوله وافتتنوا به وقالوا : هذا إلهكم وإله موسى .

قوله : { ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا } استفهام توبيخ لهؤلاء الذين سألوا نبيهم أن يصنع لهم عجلا ليعبدوا مع أنهم يعلمون في يقين ومعاينة لا تحتمل الشك أن هذا المعبود لا يعي ولا يفهم . وليس أدل على ذلك من أنه لا ينطق البتة ، وإن هو إلا جسد من الأجساد المركومة التي لا تفقه ولا تريم ولا تملك لهم هداية أو ترشيدا لسبيل .

قوله : { اتخذوه وكانوا ظالمين } أي فعلوا فعلتهم المنكرة من الإشراك بالله { وكانوا ظالمين } أي مشركين ، واضعين الشيء في غير موضعه . وهو وضع العجل في موضع الإله المعبود . لا جرم أن ذلك فعل شنيع وبالغ النكر .


[1523]:تفسير القرطبي جـ 7 ص 284.