فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱتَّخَذَ قَوۡمُ مُوسَىٰ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِنۡ حُلِيِّهِمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٌۚ أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّهُۥ لَا يُكَلِّمُهُمۡ وَلَا يَهۡدِيهِمۡ سَبِيلًاۘ ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَٰلِمِينَ} (148)

قوله : { واتخذ قَوْمُ موسى مِن بَعْدِهِ } أي من بعد خروجه إلى الطور { مِنْ حُلِيّهِمْ } متعلق باتخذ أو بمحذوف وقع حالاً ، ومن للتبعيض ، أو للابتداء ، أو للبيان . والحلي جمع حلى . وقرأ أهل المدينة وأهل البصرة { من حُلِّيهم } بضم الحاء وتشديد الياء . وقرأ أهل الكوفة إلا عاصماً بكسر الحاء . وقرأ يعقوب بفتح الحاء وتخفيف الياء . قال النحاس : جمع حَلْيٍ وحُليٍ وحِلِى مثل ثدي وثدي وثدي ، والأصل حلوى أدغمت الواو في الياء ، فانكسرت اللام لمجاورتها الياء ، وتكسر الحاء لكسرة اللام وضمها على الأصل . وأضيفت الحلي إليهم وإن كانت لغيرهم ؛ لأن الإضافة تجوز لأدنى ملابسة ، و { عِجْلاً } مفعول اتخذ . وقيل : هو بمعنى التصيير ، فيتعدى إلى مفعولين ثانيهما محذوف : أي اتخذوا عجلاً إلهاً . و { جَسَداً } بدل من عجلاً . وقيل وصف له . والخوار الصياح . يقال خار يخور خوراً إذا صاح . وكذلك خار يخار خواراً . ونسب اتخاذ العجل إلى القوم جميعاً ، مع أنه اتخذه السامريّ وحده ، لكونه واحداً منهم ، وهم راضون بفعله .

روي أنه لما وعد موسى قومه ثلاثين ليلة فأبطأ عليهم في العشر المزيدة ، قال السامري لبني إسرائيل وكان مطاعاً فيهم : إن معكم حلياً من حلي آل فرعون الذي استعرتموه منهم لتتزينوا به في العيد ، وخرجتم وهو معكم ، وقد أغرق الله أهله من القبط ، فهاتوها ، فدفعوها إليه ، فاتخذ منها العجل المذكور .

قوله : { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلّمُهُمْ } الاستفهام للتقريع والتوبيخ ، أي ألم يعتبروا بأن هذا الذي اتخذوه إلهاً لا يقدر على تكليمهم ، فضلاً عن أن يقدر على جلب نفع لهم ، أو دفع ضرّ عنهم . { وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً } أي طريقاً واضحة يسلكونها { اتخذوه وَكَانُواْ ظالمين } أي اتخذوه إلهاً { وَكَانُواْ ظالمين } لأنفسهم في اتخاذه ، أو في كل شيء . ومن جملة ذلك هذا الاتخاذ .

/خ151