مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَٱتَّخَذَ قَوۡمُ مُوسَىٰ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِنۡ حُلِيِّهِمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٌۚ أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّهُۥ لَا يُكَلِّمُهُمۡ وَلَا يَهۡدِيهِمۡ سَبِيلًاۘ ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَٰلِمِينَ} (148)

{ واتّخذ قوم موسى من بعده } من بعد ذهابه إلى الطور { من حليّهم } وإنما نسبت إليهم مع أنها كانت عواري في أيديهم لأن الإضافة تكون لأدنى ملابسة ، وفيه دليل على أن من حلف أن لا يدخل دار فلان فدخل داراً استعارها يحنث ، على أنهم قد ملكوها بعد المهلكين كما ملكوا غيرها من أملاكهم .

وفيه دليل على أن الاستيلاء على أموال الكفار يوجب زوال ملكهم عنها ، نعم المتخذ هو السامري ولكنهم رضوا به فأسند الفعل إليهم . والحلي جمع «حلى » وهو اسم ما يتحسن به من الذهب والفضة { حليهم } : حمزة وعلي للإتباع { عجلاً } مفعول { اتخذ } { جسداً } بدل منه أي بدناً ذا لحم ودم كسائر الأجساد { لّه خوارٌ } هو صورت البقر والمفعول الثاني محذوف أي إلهاً . ثم عجب من عقولهم السخيفة فقال { ألم يروا } حين اتخذوه إلهاً { أنّه لا يكلّمهم ولا يهديهم سبيلاً } لا يقدر على كلام ولا على هداية سبيل حتى لا يختاروه على من { لو كان البحر مداداً لكلماته لنفد البحر قبل أن تنفد كلماته } [ الكهف : 109 ] . وهو الذي هدى الخلق إلى سبيل الحق بما ركز في العقول من الأدلة وبما أنزل في الكتب . ثم ابتدأ فقال { اتّخذوه } إلهاً فأقدموا على هذا الأمر المنكر { وكانوا ظالمين