التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلّٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ لَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّۖ وَنُودُوٓاْ أَن تِلۡكُمُ ٱلۡجَنَّةُ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (43)

قوله : { ونزعنا ما في صدورهم من غل } النزع معناه القلع{[1402]} والغل معناه الغش والحقد والضغن{[1403]} . وفي هذه الآية يصف الله حال المؤمنين في الجنة من حيث طهارتهم النفسية الكاملة فيقول : وقلعنا ما في صدور أهل الجنة –في الجنة- من الحقد والعداوة والحسد الذي كان يخالط بعضهم لبعض في الدنيا . بل إنهم إذا دخلوا الجنة تطهرت نفوسهم وطبائعهم من الضغن والغش والكراهية ، فكانت في غاية السلامة والطهارة والبراءة من كل أوضار الخسائس النفسية التي كانت عالقة بنفوسهم وهم في الدنيا . وهذه هي حال المؤمنين في الجنة ؛ إذ يمتازون عن حالهم في الدنيا بطهارة القلوب كليا . وبراءتها على التمام من كل ما يشينها من أردان الطبع .

قوله : { تجزي من تحتهم الأنهار } جملة فعلية في موضع نصب على الحال من الضمير هم في { صدورهم } وهذا وصف لحال أهل الجنة في الجنة ؛ إذ يطهر الله قلوبهم تماما من خصال الضغن والعداوة ورذائل الغش والحسد التي كانت لصيقة بقلوبهم في الدنيا . لكنهم الآن في الجنة يحبرون وينعمون بكل صنوف النعيم ومن بينها الأنهار الساربة تجري من تحتهم وهم ينظرون إليها في ابتهاج واستمتاع وحبور .

قوله : { وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله } للام في لنهتدي ، لام الجحود . والمصدر من { أن هدانا } في موضع رفع مبتدأ . والخبر محذوف تقديره موجود ؛ لأن لولا هداية الله موجودة لهلكنا{[1404]} . والمعنى : كأن هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، الذين جزاهم الله الجنة وما فيها من الأنعم والخيرات إذا رأوا ما آتاهم الله من نعيم الجنة وما بسطه لهم من خيراتها ومباهجها فضلا عن تنجيتهم من عذاب النار –إذا أدركوا ذلك كله حمدوا الله حمدا كثيرا وأثنوا عليه بالشكران البالغ أن وفقهم للاعتصام بدين الله ومجانبة ما يسخطه ويغضبه مما أوصلهم إلى الجنة بكل آلائها وبركاتها . وقالوا أيضا : ما كنا لنرشد لما نحن فيه من النعيم لولا أن الله أرشدنا إلى طريق الحق والصواب ، وجعلنا على المحجة المستقيمة البيضاء فحظينا بالتوفيق والهداية والجنة .

قوله : { لقد جاءت رسل ربنا بالحق } ذلك قول أهل الجنة الذين نجاهم الله من العذاب ووفقهم لدخول الجنة . فهم لدى معاينتها يقولون فرحين مجبورين : هذا الذي نجده اليوم من نعيم الجنة قد أخبرتنا به رسل الله من قبل . وهو وعد من الله لأهل طاعته بالخير والأهل معصيته بالعذاب الأليم . ذلك إخبار من الله عن وعده ، ووعد حق وصدق .

قوله : { ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعلمون } نودي أهل الإيمان والطاعات من قبل الملائكة . وهم عباد الله المركون الأطهار الذين ينادون المؤمنين في الجنة { أن تلكم الجنة } أن مخففة من أن الثقيلة ؛ أي بأنه تلك هي الجنة التي كانت الرسل الله في الدنيا تخبركم عنها وتحدثكم عن وعد الله لبعاده المؤمنين بها { أورثتموها } الميراث هنا مجاز عن الإعطاء أي أعطيتموها برحمة الله وفضله .

وقوله : { بما كنتم تعلمون } الباء سببية . أي بسبب أعمالكم نالتكم الرحمة من الله فحظيتم بدخول الجنة . فالأعمال وهي السبب ليست موجبة لدخول الجنة . وإنما يدخل المؤمنون الطائعون الجنة بفضل من الله ورحمة . وفي صحيح مسلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة ) قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال ( ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ) {[1405]} .


[1402]:مختار الصحاح ص 654.
[1403]:مختار الصحاح ص 479.
[1404]:البيان لابن الأنباري جـ 1 ص 361.
[1405]:روح المعاني جـ 8 ص 121 وفتح القدير جـ 2 ص 206.