إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلّٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ لَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّۖ وَنُودُوٓاْ أَن تِلۡكُمُ ٱلۡجَنَّةُ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (43)

{ وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِم من غِلّ } أي نخرج من قلوبهم أسبابَ الغل أو نطهرها منه حتى لا يكون بينهم إلا التوادُّ . وصيغةُ الماضي للإيذان بتحققه وتقررِه ، وعن علي رضي الله عنه : إني لأرجو أن أكون أنا وعثمانُ وطلحةُ والزبيرُ منهم { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنهار } زيادةٌ في لذتهم وسرورهم ، والجملةُ حالٌ من الضمير في صدورهم والعاملُ إما معنى الإضافة وإما العاملُ في المضاف أو حال من فاعل نزعنا والعاملُ نزعنا وقيل : هي مستأنفةٌ للإخبار عن صفة أحوالِهم { وَقَالُوا الحمد لِلَّهِ الذي هَدَانَا لهذا } أي لِما جزاؤُه هذا { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِي } أي لهذا المطلبِ الأعلى أو لمطلب من المطالب التي هذا من جملتها { لَوْلا أَنْ هَدَانَا الله } ووفقنا له ، واللام لتأكيد النفي وجوابُ لولا محذوفٌ ثقةً بدِلالة ما قبله عليه ، ومفعولُ نهتدي وهدانا الثاني محذوفٌ لظهور المرادِ أو لإرادة التعميمِ كما أشير إليه ، والجملةُ مستأنَفةٌ أو حالية وقرئ ما كنا لنهتديَ الخ ، بغير واو على أنها مبيِّنة ومفسرةٌ للأولى . { لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا } جوابُ قسمٍ مقدر قالوه تبجّحاً واغتباطاً بما نالوه وابتهاجاً بإيمانهم بما جاءتهم الرسلُ عليهم السلام والباء في قوله تعالى : { بالحق } إما للتعدية فهي متعلقةٌ بجاءت أو للملابسة فهي متعلقةٌ بمقدرٍ وقع حالاً من الرسل أي والله لقد جاءوا بالحق أو لقد جاءوا ملتبسين بالحق { وَنُودُوا } أي نادتهم الملائكةُ عليهم السلام { أَن تِلْكُمُ الجنة } أنْ مفسرةٌ لما في النداء من معنى القولِ أو مخففةٌ من أنّ وضمير الشأنِ محذوفٌ ، ومعنى البُعدِ في اسم الإشارةِ إما لأنهم نوُدوا عند رؤيتِهم إياها من مكان بعيد ، وإما رفع منزلتِها وبُعدِ رتبتِها ، وإما للإشعار بأنها تلك الجنةَ التي وُعدوها في الدنيا { أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } في الدنيا من الأعمال الصالحةِ أي أُعطيتموها بسبب أعمالِكم أو بمقابلة أعمالِكم والجملةُ حال من الجنة والعاملُ معنى الإشارةِ على أن ( تلكم الجنةُ ) مبتدأٌ وخبرٌ ، أو الجنةُ صفةٌ والخبرُ أورثتموها .