تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلّٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ لَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّۖ وَنُودُوٓاْ أَن تِلۡكُمُ ٱلۡجَنَّةُ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (43)

{ وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ } أي : من حسد وبغضاء ، كما جاء في الصحيح للبخاري ، من حديث قتادة ، عن أبي المتوكِّل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خلص المؤمنون من النار حُبِسوا على قنطرة بين الجنة والنار ، فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا ، حتى إذا هُذبوا ونقوا ، أذن لهم في دخول الجنة ؛ فوالذي نفسي بيده ، إن أحدهم بمنزله في الجنة أدلّ منه بمسكنه كان في الدنيا " {[11741]}

وقال السُّدِّي في قوله : { وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ } الآية : إن أهل الجنة إذا سبقوا إلى الجنة فبلغوا ، وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان ، فشربوا{[11742]} من إحداهما ، فينزع ما في صدورهم من غل ، فهو " الشراب الطهور " ، واغتسلوا من الأخرى ، فجرت عليهم " نضرة النعيم " فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعدها أبدًا .

وقد روى أبو إسحاق ، عن عاصم ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب نحوًا من ذلك{[11743]} كما سيأتي في قوله تعالى : { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا } [ الزمر : 73 ] إن شاء الله ، وبه الثقة وعليه التكلان .

وقال قتادة : قال علي ، رضي الله عنه : إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم : { وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ } رواه ابن جرير .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا ابن عيينة ، عن إسرائيل قال : سمعت الحسن يقول : قال علي : فينا والله أهل بدر نزلت : { وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ }{[11744]}

وروى النسائي وابن مَرْدُويه - واللفظ له - من حديث أبي بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول : لولا أن الله هداني ، فيكون له شكرًا . وكل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول : لو أن الله هداني فيكون له حسرة " {[11745]}

ولهذا لما أورثوا مقاعد أهل النار من الجنة نودوا : { أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي : بسبب أعمالكم نالتكم الرحمة فدخلتم الجنة ، وتبوأتم منازلكم بحسب أعمالكم . وإنما وجب الحمل على هذا لما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " واعلموا أن أحدكم{[11746]} لن يدخله عمله الجنة " . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : " ولا أنا ، إلا أن يَتَغَمَّدَنِي الله برحمة منه وفضل " {[11747]} .


[11741]:صحيح البخاري برقم (2440).
[11742]:في م: "فيشربون".
[11743]:في ك، م، أ: "هذا".
[11744]:تفسير عبد الرزاق (1/217).
[11745]:سنن النسائي الكبرى كما في تحفة الأشراف للمزي برقم (12492) ورواه أحمد في مسنده (2/512) والحاكم في المستدرك (2/435) من طريق أبي بكر بن عياش به، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
[11746]:في أ: "أحدا".
[11747]:صحيح البخاري برقم (6463) وصحيح مسلم برقم (2816) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.